image
imagewidth (px) 1.08k
1.87k
| markdown
stringlengths 202
3.51k
|
---|---|
وأما المراكب الروسية فلا يحصل بها مطلقًا أي تفتيش من جهة الحكومة العثمانية لا في شاسع البحار ولا في داخل أي ميناء أو موردة مما يدخل تحت حكم الباب العالي، وكل أنواع المتجر أو الغلال المملوكة لأحد رعايا الروسيا يمكن بيعها بكل حرية بعد تسديد عوائد الجمارك عنها بمقتضى التعريفات أو أن تنزل إلى البر في مخازن صاحبها أو عميله، بل ويصحُّ نقلها على سفن أخرى أيًّا كانت جنسيتها بدون أن يحتاج التابع الروسي في هذه الحالة لأن يشعر الحكومة المحلية ولا أن يطلب إذنًا بذلك مطلقًا. وقد اتفق اتفاقًا صريحًا على أن أنواع القمح الآتية من الروسيا تتمتع بنفس هذه الامتيازات، وأن نقلها من أراضي الدولة لأي جهة لا يحصل فيه أقل صعوبة أو ممانعة مطلقًا ولا بأي حجة، وما عدا ذلك فيتعهد الباب العالي بأن يتيقظ بكل اعتناء إلى عدم حصول أي تعطيل مهما كانت طبيعته للتجارة والملاحة في البحر الأسود على الخصوص. وللوصول إلى هذا الغرض يعترف ويعلن بأن المرور في قنال القسطنطينية وببوغاز الدردنيل يكون بحرية تامة وأنهما مفتوحان للسفن الروسية الحاملة للعلم التجاري، سواء كانت مشحونة أو مصبرة، وسواء كانت آتية من البحر الأسود بقصد الدخول في البحر الأبيض المتوسط أو عابرة من البحر الأبيض المتوسط تريد الدخول في البحر الأسود، وما دامت هذه السفن تجارية فمهما كانت كبيرة ومهما كان قدرها لا تكون معرضة لأدنى مانع أو لأي تعدٍّ كما تقرَّر ذلك أعلاه. |
|
وجعل لَهُنَّ من الحقوق، وعليهنَّ من الواجبات الاجتماعية ما للرجال وعليهم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ. |
|
ولما كانت الدولة القديمة لا تزال في عنفوان جبروتها ومجدها؛ فقد اتخذت هذه الثورة مظهرًا سلبيًّا في اعتناق عقيدة تخالف العقيدة الحكومية، وكان طبيعيًّا أن يَصنع خيال الحكماء الشعبيين في وقت المحنة والمظلمة، إلهًا يشاركهم محنتهم ومظلتهم، فيموت غِيلةً وعسفًا، وتنطبع الأسطورة الأوزيرية بطابع جديد كلَّ الجدة على الفكر المصري، فتحول كل همها نحو الفقراء ومشاكل العَوَز والحاجة، وآمال الدهماء وطموحاتهم، بل أضْفَت على الطبقة الفقيرة كلَّ القيم الخلقية النبيلة، بينما سلَبَتها من الطبَقة الغنية الممتازة، وفي ثنايا أسفار الأسطورة الطويلة أحداثٌ تزايدَت وتراكمَت بمرور الزمان، وباختلاف الأحداث، لكنها بشكل عام تُظهر هذا الاتجاه بشكل يتضح تدريجيًّا وبإصرار، فمثلًا عندما سقط الطفل الإلهي حور صريعَ السُّم، هُرِعت به أمه إيزي تبحث عن ملجأ ومأوًى ومُداوٍ، فأوصَدَت المرأة الغنية أبوابَ قصرها في وجه الأم ووليدِها المحتضر، مصوِّرة ذلك بكل الخسَّة الممكنة، ولم يعد أمام الأم الإلهية إلا أن «استَصرَخَت أهل المناقع القريبين منها، فواساها فُقراؤهم، وهُرِعوا إليها بقلوبهم، وترَكوا بيوتهم.»١ |
|
من الأمور التي تشجع على نمو الشقاقِ والانقسامِ السماحُ بطول أمد القيادة العسكرية، بل إن مكيافيللي يشير إلى أن «السلطة التي اكتسبها المواطنون» بهذه الطريقة، هي التي أدَّتْ في نهاية المطاف، أكثر من أي شيء آخَر، إلى «استعباد روما» (٢٦٧)، والسبب في أن «منح امرئ سلطةً مطلقةً لفترة ما» دائمًا ما «يلحق الضرر بالحرية»، هو أن السلطة المطلقة دائمًا ما تفسد الأشخاص بتحويلهم إلى «أصدقاء ومتحزبين» لها (٢٧٠، ٢٨٠)، وهو ما حدث مع جيوش روما في ظل الجمهورية المتأخرة؛ «فعندما كان يتولَّى مُواطِن ما قيادة الجيش فترةً طويلة، كان يكتسب دعم هذا الجيش ويجعله مناصِرًا له»، إلى حد أن الجيش «في وقت ما كان ينسى «مجلسَ الشيوخ» ويعتبر هذا المواطِن قائده» (٤٨٦). حينئذٍ، لم يكن الأمر يتطلب سوى أن يعثر قادة مثل سولا، وماريوس، ثم يوليوس قيصر على «جنود يمكن أن يتبعوا أوامرهم، بما يتعارض مع الصالح العام» كي يشهد توازن الدستور اختلالًا عنيفًا لدرجة تجلب الاستبداد والطغيان في أعقابه (٢٨٢، ٤٨٦). |
|
لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَمَلٌ، وَلَا أَدْنَى بَارِقَةِ أَمَلٍ فِي قَلْبِ ثرثار، عِنْدَمَا الْتَقَطَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْمِصْيَدَةَ وَاتَّجَهَ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَبوسي السَّوْدَاءُ فِي أَعْقَابِهِ، تَتَطَلَّعُ إِلَى ثرثار بِعَيْنَيْنِ قَاسِيَتَيْنِ مُتَلَهِّفَتَيْنِ. فَأَلْقَى ثرثار نَظْرَةَ الْوَدَاعِ عَلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَمِنْ وَرَائِهِ عَنْ بُعْدٍ الْغَابَةُ الْخَضْرَاءُ، الَّتِي كَانَ قَدْ أُبْعِدَ عَنْهَا بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنِ ابْنِ عِرْسٍ شادو. ثُمَّ انْغَلَقَ بَابُ بَيْتِ الْمَزْرَعَةِ وَحَجَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ أَيُّ أَمَلٍ فِي قَلْبِ ثرثار، لَقَضَى إِغْلَاقُ ذَلِكَ الْبَابِ عَلَى آخِرِهِ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَدْنَى أَمَلٍ؛ فَقَدْ كَانَ ثرثار مُوقِنًا مِنْ أَنَّهُ سَوْفَ يُقَدَّمُ إِلَى بوسي السَّوْدَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْفَطُورِ. |
|
وهناك مشروع آخَر حيوي، وإن كان التفكير فيه يعود إلى العصر الاستعماري الفرنسي، ذلك هو طريق عابر للصحراء يصل منطقة نهر النيجر وغرب أفريقيا بالبحر المتوسط، ومنذ ١٩٦٣ كان التفكير يدور حول تحسين الطرق الصحراوية الحالية، واختيار واحد منها ليصبح الطريق الرئيسي الممهد، وكانت هناك أوليات في بدء الطريق من وهران أو الجزائر، أي طريق غربي أم أوسط، وانتهى الأمر بتفضيل الطريق الأوسط الذي يبدأ من الجزائر ويمر بالأغواط وغاردايا والقليعة وعين صلاح وتامنراست، ثم يتفرع جنوبها إلى طريقين: الأول إلى جاو على ثنية النيجر في مالي، والثاني إلى تاهو في دولة النيجر. ويخدم هذا الطريق عدة أهداف حيوية لتعمير منطقة هضبة الهكار (الحجار) ومالي والنيجر معًا، ويبلغ طول الطريق ١٩٠٠كم في الأرض الجزائرية، و٦٧٠كم في مالي، و٦٠٠كم في النيجر، (مجموع ٣١٨٠كم). الهدف النهائي جعل عرض الطريق ١٩ مترًا، ولكنه سيبدأ بعرض ثمانية أمتار، وتبلغ التكاليف ٦١ ألف دولار للكيلومتر في الأراضي الصعبة، و٢٢ ألفًا في الأراضي السهلة، وتبلغ تكاليف الصيانة سنويًّا بين ٣ و٤٫٥ ملايين دولار، وتكاليف الإنشاء الإجمالية مائة مليون دولار، والمرتقب أن تنخفض أسعار نقل البترول إلى ما بين ٤٠ و٥٠٪ من تكلفة النقل الحالي، كما أنه سيجعل النيجر على بُعْد ٢٨٠٠كم من البحر المتوسط، ومالي على بُعْد ٣٠٠٠كم فقط، بتوفير حوالي ١١٠٠–١٦٠٠كم بالنسبة للطرق الحالية. وتقوم بإعداد الطريق شركتان فرنسيتان. |
|
واعلم يا أخي بأن هذه هي أمهاتُ أخلاقِ الكرام مِن أولياء الله الذين أشار إليهم بقوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا إلى آخر الآية، وقوله: رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا وهي أخلاقُ الملائكة الذين أشار إليهم بقوله — جَلَّ ثناؤُهُ: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ الآية، انظر الآن يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، إلى ما ذكرناه من أخلاق الكرام، وتفكر فيها إن كنت تريد أن تكون من أولياء الله وأهل جنته، ومن حزب ملائكته الكرام البررة، فاقتد بهم، وَتَخَلَّقْ بأخلاقهم باجتهادٍ منك وروية وعناية شديدة وكثرة استعمال لها وطُول دربة بها؛ لتصيرَ لك عادةً وطبيعةً وجبلةً مركوزة، وتبقى في نفسك مصورة عند المفارقة، ودع أخلاق إخوان الشياطين وجنود إبليس أجمعين. |
|
العناقيد المجرِّية الثرية — تلك المنظومات البالغ قطرها أكثر من مليون سنة ضوئية، وتتكون من تجميعات هائلة من المجرات — تحتوي أيضًا قدرًا من المادة أكبرَ مما يُعزى إلى المجرات المنفردة الموجودة داخلها. إن مقدار المادة المحدد غير واضح، لكن ثمة أدلة قوية للغاية على أنه يوجد ما يكفي من المادة داخل المنظومات العنقودية الغنية بما يقترح أن قيمة أوميجا تصل إلى ٠٫١، بل وربما تزيد عن ٠٫٣. بل وتوحي أدلة غير حاسمة آتية من آليات حركة البِنَى الأكبر — العناقيد المجرية الفائقة التي يصل حجمها إلى عشرات ملايين السنوات الضوئية — بأن المزيد من المادة المظلمة يكمن في الفضاء الواقع بين العناقيد المجرية. هذه الحجج القائمة على آليات الحركة اختُبرت هي الأخرى حديثًا، وتأكَّدت من واقع مشاهدات مستقلة لتأثير عدسة الجاذبية الذي تتسبب فيه العناقيد المجرية، ومن واقع قياسات خصائص الغاز الحار للغاية المُطلِق للأشعة السينية التي يتخللها. ومن المثير للاهتمام أن نسبة المادة الباريونية داخل العناقيد المجرية مقارنةً بكتلتها الإجمالية تبدو أكبر بكثير من القيمة العامة التي تسمح بها عملية التخليق النووي لو أن هناك كثافة حرجة للمادة إجمالًا. تعني هذه الظاهرة المسماة «الكارثة الباريونية» أنه إما أن الكثافة الإجمالية للمادة أقل كثيرًا من القيمة الحرجة أو أن ثمة عملية مجهولة ما ربما أدت إلى تركيز المادة الباريونية في عناقيد. |
|
الأستاذ : «حاول جهدك أن تقلد القطعة التالية مثلًا — بعد أن تستوعبها قراءة وفهمًا — وهي لأشهر كتَّاب العربية «ابن المقفع»، ويجدر بك أن تتبع في محاكاتها الطريقة التي أسلفت لك شرحها، وإليك القطعة المنثورة:
«زعموا أن ناسكًا كان يجري عليه من بيت رجل تاجر في كل يوم رزق من السمن والعسل، وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي، ويجعله في جرة فيعلِّقها في وتد في ناحية البيت حتى امتلأت، فبينما الناسك ذات يوم — مستلقيًا على ظهره، والعكازة في يده، والجرة معلقة على رأسه — تفكَّر في غلاء السمن والعسل فقال: «سأبيع ما في هذه الجرة بدينار، وأشتري به عشرة أعنزٍ؛ فيحبلن ويلدن في كل خمسة أشهر بطنًا؛ ولا تلبث إلا قليلًا حتى تصير غنمًا كثيرة إذا ولدت أولادها.»
ثم حرر على هذا النحو بسنين؛ فوجد ذلك أكثر من أربعمائة عنزٍ، فقال: «أنا أشتري بها مائة من البقر، بكل أربعة أعنزٍ ثورًا أو بقرة؛ وأشتري أرضًا وبذورًا، وأستأجر أَكَرةً٢وأزرع على الثيران، وأنتفع بألبان الإناث ونتاجها، فلا يأتي عليَّ خمس سنين إلا وقد أصبت من الزرع مالًا كثيرًا؛ فأبني بيتًا فاخرًا، وأشتري إماءً وعبيدًا، وأتزوج امرأة جميلة ذات حسن؛ ثم تأتي بغلام سريٍّ نجيب، فأختار له أحسن الأسماء، فإذا ترعرع أدَّبته وأحسنت تأديبه، وأشدد عليه في ذلك، فإن يقبل مني، وإلا ضربته بهذه العكازة.»
وأشار بيده إلى الجرة فكسرها؛ فسال ما كان فيها على وجهه! |
|
وتلي مرحلة المكان العملي مرحلة المكان الذاتي، ثم أخيرًا مرحلة المكان الموضوعي، والمرحلتان الأخيرتان لا يمكن أن تتمَّا إلا إذا انتقل الرضيع من مستوى النشاط الحسي العشوائي المتقطع إلى مستوى النشاط الإدراكي، وعملية الإدراك الموجهة نحو العالم الخارجي تتضمن في جوهرها العلاقة بين الطفل والشيء الخارجي، أي بين الذات والموضوع، بين المدرِك والمدرَك، ففي الأشهر الأولى تكون حالة الرضيع من الوجهة الإدراكية حالة فوضى وغموض وتشتُّت، فهو يحس بحاجاته العضوية وتصدر عنه أرجاع حركية نتيجة لاختلال التوازن العضوي، فتستجيب البيئة لهذه الأرجاع لإعادة التوازن العضوي بإرضاء الحاجة، وبعد إرضائها يستولي النوم على الطفل مما يؤدي إلى إمحاء أثر الحادث الذي حقق إرضاء الحاجة، فالموضوع والذات لا يزالان في حالة خلط وعدم تمايز، وعندما يتم التمايز بينهما تدريجيًّا يظلان متممين أحدهما للآخر، فنحن هنا بصدد عملية تمييز لا عملية فصل، وعندما تتجمَّع الإحساسات وتعود متجمعة يصبح في إمكان الرضيع أن يستدل على المجموعة كلها بإحساس واحد، ومن شأن البصر واللمس وسائر الحواس أن تثبت شكل الشيء، ومن ثنايا الفوضى الحسية الأولى تبزغ مجموعات معينة من الكيفيات الحسية يتعرفها الطفل؛ لأنها تثير لديه استجابات حركية متشابهة، وعندئذٍ يظهر بناء سلوكي جديد هو بمثابة صورة تخطيطية تسمح بتقريب الوحدات المتشابهة وتمثيلها، غير أن هذه الصور التخطيطية ليست بعد موضوعات حقيقية، إذ لا يتكون الموضوع في ذهن الطفل إلا إذا أدرك بقاء الموضوع من جهة، وإمكان احتلاله مواضع مختلفة في المكان من جهة أخرى. |
|
مع أن أوائل النجوم كانت ساطعةً، فإنها كانت قصيرة الأجل. إن عمر النجم يتناسب عكسيًّا مع كتلته؛ لأن النجوم الضخمة يجب أن تحرق المزيد من الوقود كي تحافظ على تماسُكها ولا تنهار بفعل ثقل وزنها. وفي غضون بضعة ملايين الأعوام — لا نزال في غضون نحو ٢٠٠ إلى ٢٥٠ مليون عام من الانفجار العظيم — كانت النجوم التي بدأت حياتها بكتلٍ تتراوح تقريبًا بين ١٠٠ إلى ٢٥٠ مرة قدر كتلة الشمس قد انفجرت تمامًا مع نهاية حياتها، ناشرةً مادتها في أرجاء سحب الغاز المحيطة، وهذه المادة تضمَّنَتْ أوائل العناصر الثقيلة، التي جعلت عملية التبريد أكثر كفاءةً بكثير عند تكوُّن الجيل التالي من النجوم، وهو ما جعل تركيزات تكوُّن النجوم في المناطق التي دفعَتْها الموجاتُ الانفجارية — الآتية من النجوم المتفجرة — إلى الانهيار، تصير أصغر كثيرًا وتُكوِّن أوائل النجوم المقاربة في الحجم للنجوم الموجودة في مجرَّة درب التبانة اليوم. وفي الواقع، لا يزال بعضٌ من نجوم الجيل الثاني تلك حاضرًا في مجرتنا؛ إذ يُقدَّر أن أقدم «نجوم التصنيف ٢» يتجاوز عمره ١٣٫٢ مليار عام؛ ومن ثَمَّ فهي تكوَّنَتْ في غضون نحو ٥٠٠ مليون عام تقريبًا من الانفجار العظيم. |
|
#### ١٦
مطالبُ السلطان جبالٌ ثِقالٌ، لا تنزاحُ عن كاهله حتى يُحقِّقها، وهو أعلم بغضبه إذا خاب له مطلب، وما زال السلطان متأرجحًا بين الهدى والضلال فلا تُؤْمَن غضبتُه .. لذلك استدعى حاكم الحيِّ سليمان الزيني .. وصف له موقع دار قوت القلوب، وقال: في الدار امرأةٌ غامضةٌ، ذاتُ صوتٍ عذبٍ، وهمٍّ خفيٍّ، يريد مولانا السلطان فؤادها صفحةً مبسوطة لا خفاء فيها.
زُلزلَت نفس الزيني، وأدرك أنَّه مسوقٌ إلى الاعتراف .. سيتحرَّى دندان عن الحقيقة لدى كلِّ من يأنس عنده قُدرةً على كشف الأسرار من الرجال، وعلى رأسهم الفضلُ بن خاقان .. ستُهْدَى إليه الحقيقةُ عاجلًا أو آجلًا، فليكن على الأقل صاحبَ الفضل في الاعتراف تقرُّبًا من السلطان .. وهو ذو خُلقٍ؛ فلم يطمئنَّ قلبه لحظةً بتصرُّفه ويفضل عنه بأي سبيل.
وأفضى إلى الوزير دندان بمكنون سرِّه. |
|
فقام رجل من أهل العراق عبراني وقال: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وهو الذي أكرمنا بالوحي والنبوات والكتب المنزلات والآيات المحكمات، وما فيها من ألوان الحلال والحرام والحدود والأحكام والأوامر والنواهي والترغيب والترهيب من الوعد والوعيد والمدح والثناء والتذكار والأخبار والأمثال والاعتبار وقصص الأولين والآخرين وصفات يوم الدين، وما وعدنا من الجنان والنعيم، وما أكرمنا به أيضًا من الغُسل والطَّهارة والصوم والصدقة والزكاة والأعياد والجُمُعات والذهاب إلى بيت العبادات والمساجد والبيع والصلوات. |
|
يقول العوامُّ: «الفقر زنجير الرجال.» وأنا أقول غير ما يقولون، أقول: إنَّ الفقر مِهْمَازٌ يُدمي الخواصر، فلو شَبِع الناس جميعًا واكتفَوا لم تتقدَّم الإنسانية خطوة واحدة، ولو لم يَشْقَ الإنسان لما بلغ ما بلغ. تصوَّروا أن أبانا آدم لا يزال في فردوسه الأرضي، وأن الله لم يُصدر تلك الفقرة الحكمية: «بعَرَق جبينك تأكل خبزك»، فماذا كان صار؟ وأين كنا اليوم؟ أما كنا كتلك البهائم التي لا يعنيها من شئون الحياة غير همِّ البطن؟ «الفقر زنجير الرجال» هكذا قالوا، أما الرجل الطمَّاح فلا يزنجره شيء، لا فقر ولا مصاعب، ولا تقف بوجهه عَقَبةٌ ما، إنَّ إرادته العظمى استباحت كنوز الأرض فانفتحت له وغَرَف منها ما شاء، فكل الحصون المنيعة تسقط واحدًا بعد واحدٍ أمام المريد الذي يقف على قدميه بعدما يسقط ألف سقطة. وخير عبرة لنا في هذا الموضوع أولئك الرجال المفارد الذين نهضوا من أعمق الأعماق وصعدوا في العقبات، وأخيرًا كانت الوثبة العظمى فبلغوا أعلى الذُّرى. |
|
ففي هذه المرحلة التي يُعتبر الهنود الأمريكيون مثلًا لها نجد النظام القبلي في قمة ازدهاره؛ فكل قبيلة كانت منقسمة إلى عدد من الفروع، يبلغ في معظم الحالات فرعين، وبازدياد عدد السكان انقسمت هذه الفروع الأصلية بدورها إلى عدة فروع. وكان الفرع الأصلي يُعتبر أخوَّة بالنسبة لهذه الفروع الجديدة. وانقسمت القبيلة بدورها إلى عدة قبائل نجد في كلٍّ منها في معظم الحالات الفروع القديمة، وفي بعض الحالات نجد اتحادًا للقبائل يضم القبائل المرتبطة برابطة القرابة. وكان هذا التنظيم البسيط كافيًا تمامًا للظروف الاجتماعية التي نشأ منها، فلم يكن أكثر من تجمُّع طبيعي قادر على حل كل المشاكل الداخلية المحتملة الوقوع في مجتمع منظم بهذا الشكل. وفيما يتعلق بالمشاكل الخارجية، فقد كانت تُسوى بالحرب التي كانت تنتهي بإفناء إحدى القبائل وليس بإخضاعها. وكان علو النظام القبلي وانخفاضه في نفس الوقت راجعًا إلى أنه لم يوجد مكان لحكام ومحكومين. ففي نطاق الشئون الداخلية لم يكن قد وُجد بعد أي تمييز بين الحقوق والواجبات، ومسألة ما إذا كانت المساهمة في الشئون العامة أو الانتقام للدم ونحوها تُعتبر واجبًا أو حقًّا، هذه المسألة لم تكن تشغل تفكير الهندي، وكانت تبدو له مثل الأكل والنوم والصيد، لا يهم أن كانت حقًّا أو واجبًا. ولم يكن ممكنًا أن تنقسم القبيلة والسلالة إلى طبقات اجتماعية. وهذا يقودنا إلى البحث عن الأسس الاقتصادية لهذه الظروف. |
|
ولكن كما يذكر ابن رشد أيضًا بعد ذلك، فرقٌ بين الإنسان والله، إنَّ كلام الإنسان يكون باللفظ يتلفظ به كما هو المعروف المشاهد، ولكن كلام الله قد يكون بواسطة ملك، أو قد يكون وحيًا وإلهامًا، كما قد يكون بواسطة لفظ يخلقه الله في سمع من يصطفيه بالتكليم، وإلى هذا كله أشار الله بقوله (سورة الشورى: ٥١): لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وقوله (سورة النحل: ١٧): وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، ويُريد بقوله: أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، الكلام الذي يكون بواسطة الألفاظ يخلقها في نفس كليمه، وتلك هي الحالة التي خص بها موسى عليه السلام. |
|
وبحلول نهايات القرن التاسع عشر انتشرت الخرافات عن التنويم المغناطيسي، ومنها فكرة أن الأشخاص الذين يخضعون للتنويم المغناطيسي يدخلون في حالة مشابهة للنوم يتنازلون فيها عن إرادتهم، ولا يدركون ما حولهم، وينسون بعدها كل ما حدث (لورانس وبيري، ١٩٨٨). الجزء الأول من كلمة hypnosis، أي التنويم المغناطيسي، هو مقطع إغريقي يعني النوم، ولعل ذلك ما ساعد على تعزيز هذه المفاهيم المغلوطة. انتشرت هذه المفاهيم الخاطئة على نطاق واسع لدى العامة عن طريق رواية «تريلبي» لجورج دو مورييه (١٨٩٤) التي استخدم فيها سفينجالي — الذي أصبح اسمه اليوم مرادفًا للشخص الاستغلالي متحجر القلب — التنويم المغناطيسي من أجل أن يسيطر على فتاة بائسة تُدعى تريلبي. وبإخضاع تريلبي لحالة غشية مغناطيسية دون إرادتها خلق سفينجالي بداخلها شخصية بديلة (انظر أيضًا الخرافة رقم ٣٩) كانت تتصرف بموجبها كمغنية أوبرالية، مما مكنه من أن يستمتع بحياة الرفاهية. إذا عبرنا إلى الأمام بسرعة فسنجد أن الأفلام والكتب الشهيرة عرضت منذ وقت قريب أفكارًا مماثلة بصورة درامية، حيث تُعرض حالة الغشية المغناطيسية بوصفها حالة قوية للغاية، حتى إن الأشخاص الطبيعيين عندما يخضعون لهذه الحالة يرتكبون جرائم الاغتيال (كما في فيلم «مرشح منشوريا»)، أو يقدمون على الانتحار (كما في فيلم «اغتيالات في الحديقة»)، أو يشوهون أنفسهم بالمياه الساخنة (كما في فيلم «العين المنومة»)، أو يساعدون في جرائم الابتزاز (كما في فيلم «في خدمة جلالتها السرية»)، أو يدركون جمال الشخص الداخلي فقط (كما في فيلم «هال السطحي»)، أو يسرقون (كما في فيلم «لعنة العقرب الأخضر»)، أو الفكرة التي يفضلها معظمنا وهي أن هؤلاء الأشخاص يتعرضون لغسيل مخ على يد واعظين من الفضاء الخارجي يستخدمون رسائل مضمنة في محاضرات دينية (كما في فيلم «غزو واعظي الفضاء»). |
|
اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ. |
|
يُعتبَر مُزارعو أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية من بين المزارعين الأكثر كفاءةً في العالَم فيما يفعلونه، وهو زراعة محاصيل الذرة وفول الصويا وتربية الماشية بشكْلٍ رئيسي. لكن وفقًا لجامعة ولاية أيوا، لا يزالون يفقدون نحو ٣٠ مليون طنٍّ من التربة السطحية سنويًّا، بسبب تآكُل التربة بفعل العواصف بشكلٍ أساسي — وهذا بدَوره يُؤدِّي إلى خسارة نحو مليار دولار أمريكي في إنتاج الحبوب. يُمكن أن تصل الخسائر في عاصفة مَطيرة شديدة إلى ٦٤ طنًّا من التربة السطحية لكل فدان. إحدى الحقائق التي لا جدال فيها هي أنَّ الزراعة تَنطوِي على إنهاك التربة السطحية، إما عن طريق الفلاحة أو الرعي، ولا يُوجَد أي نظامٍ زراعي تقليدي يُمكنه تجنُّب حدوث ذلك تمامًا. ومع ذلك، إذا كان المُزارعون الجيدون يفقدون الكثير من التربة، فيُمكننا أن نتخيَّل ما يُمكن أن يَخسره المزارعون غير الجيِّدين. (إيلير، ٢٠١٤؛ كوكس وآخرون، ٢٠١٢) قبل قرنٍ من الزمان لم يكن لهذه المسألة أهمية كبيرة، فقد كان هناك الكثير من الأراضي الحرجية الجديدة التي يُمكن تطهيرها لتحلَّ محلَّ أيِّ أرضٍ أصبحَت في حالة مُتدهوِرة. أما الآن، فمع تقلُّص غابات العالَم والأراضي الزراعية، لم يَعُد الأمر كذلك. |
|
في النهاية، قرَّر أن يترك الأمر لزعيم الجماعة الدينية العصرية المُتعاطِف الذي كان الحديث معه فيما مضى مُمتِعًا للغاية. تنهَّد بيندون بانفعال وقال: «سيفهم، فهو يعرف ما يعنيه الشر؛ إنه يفهم معنى الإغراء الشديد للخطيئة. أجل، سيتفهم الأمر.» راق لبيندون أن يُحدِّث نفسه بهذا كي يخلع ضربًا من الوقار والجلال على اتباعه لسلوكيات فاسدة وغير أخلاقية وانحرافه عن السلوك القويم بعد أن وقع في هذا الشَّرَك بسبب غروره وفضوله اللذين لم يملك القدرة على التحكم فيهما. جلس يُفكِّر لبرهة كيف بلغ سوء سلوكه كل مبلغ. لمَ لا يُجرِّب أن يُؤلِّف سونيتة شعرية؟ قصيدة تحمل صوتًا حادًّا سيتردد على مر العصور؛ صوتًا حسيًّا وحزينًا وشريرًا. نسي أمر إليزابيث لفترة. وخلال نصف ساعة، كان قد حطَّم ثلاثة ملفات فونوغرافية، وأصابه الصداع، مما دفعه لتناوُل جرعة ثانية من الدواء ليهدأ وعاد إلى شهامته وإلى هدفه السابق. |
|
فقال: والله ما قلت هذا، ولا خطر لي على بال، ولم أقابل عامةً جاهلةً ضعيفةً جائعةً بمثل هذه الكلمة الخشناء، وهذا يقوله من طرح٥٧ الشرَّ وأحب الفساد وقصد التشنيع عليَّ والإيحاش مني، وهو هذا العدو الكلب (يعني ابن يوسف) كفاني الله شرَّه، وشغله بنفسه، ونكَّس كيده على رأسه! والله لأنظرنَّ لها وللفقراء بمالٍ أطلقه من الخزانة، وأرسم ببيع الخبز ثمانية بدرهم، ويصل ذلك إلى الفقراء في كل مَحَلةٍ على ما يذكر شيخها، ويبيع الباقون على السعر الذي يقوَّم لهم، ويشتريه الغني الواجد! ففعل ذلك — أحسن الله جزاءه — على ما عرفتُ وشاهدتُ، وأبلغته بنشر الدعاء له في الجوامع والمجامع بطول البقاء ودوام العَلاء وكبت الأعداء ونصر الأولياء. ثم كتبتُ جزءًا من الفِقَر على ما رسم من قبل، فلما أوصلته إليه قال لي: اقرأ. فقرأته عليه فقال: صل هذا الجزء بجزء آخر من حديث النبي ﷺ والصحابة، وبجزء من الشعر، وبشيء من معاني القرآن، فإنه مقدمٌ على كل شيء بحسب ما رفع الله من خطره، وأحوج إلى فهمه، وندَب إلى العمل به، وأثاب على التفكر فيه والتعجب منه. |
|
«نعم، أذكر أنني ظننت أن هذا اسم امرأة كبيرة. وأذكر أن اسمها عند التعميد كان إيزابيل. كان هذا قبل أن أتزوج بوقت طويل، كنت لا أزال أنشد في جوقة الكنيسة. حينئذ ألبسوها أحد أثواب التعميد المستحدثة «المجرجرة»، تعرفينها؟» كانت أمي مغرمة بكلير لكن ليس بآل ماكواري. كانت تعتقد أنهم يتكبرون حتى في التقاط أنفاسهم. أتذكر منذ سنة أو سنتين أننا كنا مارَّتَين بجانب مسكنهم، فقالت شيئًا ما عن الحرص على ألَّا أطأ بقدمي فوق نجيل «القصر»، فقلت لها: «ماما، في غضون بضع سنوات سأكون مقيمة هنا، سيكون هذا «منزلي أنا»؛ لذا من الأفضل أن تكُفِّي عن وصفه بالقصر بنبرة الصوت هذه.» نظرنا معًا إلى أعلى المنزل بكل مظلاته ذات اللون الأخضر الغامق والمزينة بحرفي Ms بخط أبيض كبير، وكل شرفاته الواسعة ونوافذه ذات الزجاج المعشق المثبتة في الجدار الجانبي، كأنه كنيسة. ما من علامة تدل على وجود حياة، لكن في الأعلى كانت السيدة ماكواري راقدة، وما تزال، مشلولة شللًا نصفيًّا جانبيًّا ولا تستطيع التكلم، تعتني بها ويلا مونتجومري نهارًا ويعتني بها كلير ليلًا. تزعجها أصوات الغرباء في المنزل، وكل مرة يأخذني فيها كلير إلى هناك لا يسعني إلا الهمس كي لا تسمع صوتي وتدخل في نوبة من نوبات الشلل. قالت أمي بعد أن نظرت طويلًا: «هذا مضحك، لكنني لا أتصور أن تحملي اسم ماكواري.» |
|
نشر عالم الفسيولوجيا السويسري الشهير والباحث الأدبي ألبرشت فون هالر مقالًا، دون أن يذكر اسمه، عبَّر فيه عن خالص إعجابه برواية «كلاريسا» في مجلة «جنتلمان» في عام ١٧٤٩. اجتهد فون هالر باستماتة كي يتعامل مع أصالة ريتشاردسون؛ فمع أنه قدر المزايا المتعددة للروايات الفرنسية الأولى، فإنه أكد على أنها: «في العموم لم تقدم ما يزيد عن مجرد صور للأحداث الشهيرة الخاصة بالشخصيات اللامعة»، بينما يرى القارئ في رواية ريتشاردسون إحدى الشخصيات «من نفس الطبقة الاجتماعية التي ننتمي إليها». وأولى الكاتب السويسري اهتمامًا خاصًّا إلى شكل الرواية الرسائلية؛ فمع أن القراء قد يواجهون صعوبة في الاقتناع بأن كل الشخصيات راق لها أن تمضي وقتها في تدوين كل مشاعرهم وأفكارهم الداخلية، فإن الرواية الرسائلية استطاعت أن تعرض لوحات في غاية الدقة لشخصيات الأفراد، ومن ثم أثارت ما أطلق عليه هالر الشفقة حين قال: «لم يصور أحد البائسين بمثل هذه القوة قط، ويتضح هذا في أمثلة كثيرة، حتى إن أكثر الطباع قسوة وجمودًا تلين وتتحول إلى الشفقة، فتذرف الدمع على إثر موت كلاريسا ومعاناتها وأشجانها.» ويختم بقوله: «إننا لم نقرأ أي عمل، بأي لغة من اللغات، يمكن أن يرتقي لمضارعتها.»17 |
|
مونيم : واكرباه واعذاباه! وكيف يمكنني أن أقترن بمن لا أحبه ولا أرغب أن أراه! وأعيش بعيدةً عمن أصبحتُ قتيلة هواه؟ مُنْيَة القلب أكسيفار، صاحب البهجة والوقار، وقرة العيون، مَنْ أورثني الشجون، وحملني الوجد والغرام، وقيَّدَني بسلاسل الهيام. أنا ألبست على فرناس الأمر، وخادعته بالتمويه والمكر، وأظهرت له حب أبيه، مع أني لا أرغبه ولا أشتهيه، وأسأل ربَّ الأرض والسموات، أن يلحق فرناس بمتريدات، ويُبقي لي حبيبي أكسيفار، الذي تخجل لحسنه الأقمار. متى أرى طلعته البهية، وأجتني بمحاسنه السنية؟ أكسيفار … أكسيفار، آه أحرقتْني النار! إلامَ أقاسي في هواه العَنا! وما كنتُ أحصل على المنى! يا تُرى عنده ما عندي من الغرام، أم هو في راحة من الهوى وأنا حليفة السقام. أنا الأسيفة الأسيرة، أنا المظلومة الكسيرة، التي حُرِمَتْ أباها، والحبيب جفاها، ولوَّعها الزمان، في كل نكبة وهوان.
من مجيري من لظى نار الغرام
أو نصيري يا ترى بين الأنامِ
بان عنِّي كل ما أرغبه
وعلاني كل قهر واصطدامِ
والدي غالته أيدي الظالمين
وحبيبي القاسي ما كان يلينُ
يا حياتي رقَّ لي قلبي طعين
واشفه بالقرب يا نسل الكرامِ
ما لي إلا أن أذهب إليه، وأترامى على قدميه، وأتوسَّل به أن يخلِّصَني من أخيه، وأقدِّم له قلبي فعساه يرتضيه، وبعدها أحصل على الإيناس، بالقرب منه، والبعد عن فرناس. |
|
أعرب كُتَّاب آخَرون عن اعتراضهم بسبل أخرى؛ فقد أعلن كاتب المقالات البنغالي أنَّادا سانكار راي أنه سوف يتوقَّف «عن الكتابة تمامًا في فورة غضب غير متعاون». ورفض أن يضع «قلمًا على ورقة ما دامت حالة الطوارئ مستمرة». ورسام الكاريكاتير كيه شانكار بيلاي، الذي شبَّه نهرو الثرثار ذات مرة بشلالات نياجرا (وقُوبِلَ بالتشجيع من ضحيته)، أوقف مجلته عن العمل قبل أن توقفها الدولة، وقال مُعَلِّقًا في أسف: «الدكتاتوريات لا تحتمل الضحك؛ فطوال أعوام حكم هتلر، لم تُؤَلَّف مسرحية كوميدية جيدة، ولا رسم كاريكاتيري جيد، ولا عمل هزلي، ولا دعابة ساخرة.» وأعاد الروائي بانيشواره نات رينو وِسَامَ بادما شري الذي قلَّدَتْه إيَّاه الحكومة الهندية، في بادرةٍ أعادتْ إلى الأذهان تخلِّي طاغور عن لقب فارس بعد مذبحة جليانوالا باج. وأعاد الكانادي الواسع المعرفة شيفاراما كارانت وسامًا أعلى درجة، هو بادما بوشان؛ ففي عشرينيات القرن العشرين، انضم كارانت إلى الحركة الساعية من أجل الحرية بإيعاز من غاندي، وبعد خمسين عامًا من الكفاح في سبيل التمسك بقِيَمه، شعر كارانت بأنَّه «مضطر إلى الاحتجاج على مثل تلك الإهانات المقترَفة في حقِّ شعب الهند».39 |
|
والآن دعنا نُلخِّص ما فات لعلنا نصل إلى نتيجة:
* أولًا: رأينا أن «الطبيعة الإنسانية التي لا تتغيَّر» قد تتغيَّر فهي ليست مُتحجِّرة كما يظن بعض علماء الإنسان، وكثيرًا ما تغيَّرَت تغيرًا ملموسًا.
* ثانيًا: أن أنواع الارتباط المختلفة التي نشاهدها بين ألوان السلوك المتنوعة في المجتمعات البشرية يمكن فصمها ثُمَّ إعادة ربط عناصرها بطرقٍ أخرى.
* ثالثًا: أن علاج بناء المجتمع على نطاقٍ واسعٍ قد ينجم عنه تغيُّر مُعيَّن في الطبيعة الإنسانية. بيد أن هذا التغيُّر قلَّما يكون أساسيًّا؛ فهو لا يستأصل الشر من جذوره، وإنما يحوله من مَسلكٍ إلى آخر.
* رابعًا: إن شئنا أن نُحقِّق الغايات التي نحبها جميعًا فالأمر يقتضي أكثر من مجرد تحويل الروح الشريرة عند الإنسان من مَجرى إلى مَجرى. بل لا بُد لنا من القضاء على الشر من مَنبته، ولا بد لنا من كبح الإرادة الفردية وهي في نشأتها. |
|
وتبلغ قمة الموروث في ذكر الآيات القرآنية داخل الشرح لتعلن عن مصدر التصور للعالم وأساسه. وترد أربع آيات؛ الأولى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ. والثانية: يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا في سياق واحد لبيان أن السلب يراد به الإيجاب، وأن الإيجاب يراد به السلب، قضية منطقية نظرًا لارتباط المنطق باللغة. كما يظهر القرآن لتدعيم لسان العرب مرتين في موضوع السلب والإيجاب فالقرآن شاهد لغوي لشرح التحليل اللغوي اليوناني. القرآن كتاب لغة ومنطق كما أنه كتاب حكمة. لا يصدق القول بأن الشيء موجود وغير موجود معًا إلا أن يسمى الموجود وليس موجودًا أو ما ليس موجودًا موجود. وكلاهما يستعمل سلبًا وإيجابًا عند مختلف الأمم، ولكن لكل طرف لفظًا خاصًّا للسلب أو للإيجاب. ويمكن أن يجتمع اللفظان على نص واحد كما هو الحال في لسان العرب. والقرآن شاهد على الاشتراك في لسان العرب. والثالثة: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ. لإطلاق صفة الجودة على السارق والكذاب على طريقة الاستعارة على طريق التخصيص، والرابعة: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ نقدًا لتصور الصابئة وتأييدًا لإبراهيم.١٧٠ |
|
على أنه يَنبغي لنا قبلَ الاستِطراد في شَرحِ صِفاتِ القِسمَين أن نتعرَّف كيف نَشأتِ الوطنية، ومِن أيِّ نَبعٍ تَستمِد تَصوُّراتها. وما مِن شَك في أن الوطنيَّة المصريَّة إنما استَمدَّت أُولى خُطواتها من آدابِ الثَّورة الفَرنسيَّة الكُبرى التي قَلبَت نِظام الحياة في أُوربا في أواخرِ القَرنِ الثامنَ عَشَر. والدَّليلُ القاطعُ على هذا أنه مُنذ عَصر عُرابي إلى اليَوم تَرى أثَر القِسمَين واضحًا جَليًّا في كل ما أدَّتِ الوطنيَّة المصريَّة من الخِدَم الجِسامِ لمُستقبَل مِصرَ الحديثةِ؛ فالقِسمُ الأوَّل يأتَمُّ بالنظريَّات التي ذاعت في فَرنسا في عَصر ثَورتها وظلَّ مؤتمًّا بها حتى الآن، والقِسمُ الثاني ظَل مُستمسِكًا بتصوُّراته القديمةِ التي عَكفَ عليها طَوال العُصورِ التي ظلَّتْ فيها مِصرُ مَيدانًا لِتطاحُن الأُمم والقَيصَريَّات. |
|
في عام ٢٠١٠، أجرى جامي بارتليت وكارل ميلر، وهما باحثان في مؤسسة بحثية تُدعى «ديموس»، مسحًا للمؤلفات والبيانات والدعايات التي تخصُّ ما يَزيد على خمسين جماعة متشددة، بحيث شمل مسحهما جميع الأطياف من أقصى اليمين وأقصى اليسار، ومن الجماعات والطوائف الدينية الراديكالية، وصولًا إلى المحاربين الإيكولوجيِّين والفوضويين. شكَّلت نظرياتُ المؤامرة عنصرًا أساسيًّا في الكثير من أفكار ومعتقدات الجماعات. وقد توصَّل الباحثون إلى نتيجةٍ مفادها أن نظريات المؤامرة، في بعض الأحيان، تدفع المتشدِّدين في اتجاهٍ أكثرَ تشددًا وأكثر خطورة على الأرجح عن طريق «الإشارة إلى قوًى تتجاوز نطاق سيطرتنا، أو الإشارة إلى عدوٍّ لكراهيته، أو الفصل الحاد بين المنتمين للجماعة وغير المنتمين لها، وأحيانًا، إضفاء صفة الشرعية على العنف.» لكن الأمر لم يكن واضح المعالم تمامًا. فقد توصَّل أيضًا بارتليت وميلر إلى أن الكثير من الجماعات تُصدِّق نظريات المؤامرة دون اللجوء إلى العنف (على غِرار حركةِ حقيقة أحداث الحادي عشرَ من سبتمبر) ولم تُصدق الكثير من الجماعات المتشددة العنيفة نظريات المؤامرة فيما يبدو (على غرار الجيش الجمهوري الأيرلندي الحقيقي، وهو قوة قومية شِبهُ عسكرية). |
|
* Bernhardt, A. (2013) Rastas to Snoop Lion: Smoking Weed Does Not a Rasta Make, Newswire, January 23, www.avclub.com/articles/rastas-to-snoop-lion-smoking-weed-does-not-a-rasta,91507 (accessed 9 January 2014).
* Gallagher, E. and Ashcraft, W.M. (eds) (2006) Introduction to New and Alternative Religions in America, Greenwood Press, Westport, CN. http://dvd.netflix.com/Search?v1=Reincarnated&oq=reincarnated&ac_posn=1 (accessed January 12, 2014)
* Petridis, A. (2013) Is Snoop Dogg Taking His Rastafarianism Seriously? Guardian, January 24, www.theguardian.com/lifeandstyle/lostinshowbiz/2013/jan/24/snoop-dogg-rastafarianism-seriously (accessed January 9, 2014.)
* Popham, P. (2008) Rastas Can Use Cannabis, Italian Court Rules. The Independent, July 12, www.independent.co.uk/news/world/europe/rastas-can-use-cannabisitalian-court-rules-865829.html (accessed January 9, 2014). |
|
ومن تمام خواص الإنسانية في عقيدة المسلم أن قابلية التكليف في الإنسان متصلة بقابلية العلم ويسرة الانتفاع بقوى الجماد والحيوان في مصالحه وشئون معاشه … اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: ٣–٥)، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة: ٣١-٣٢)، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: ٧٠)، سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ (الحج: ٦٥)، سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ (لقمان: ٢٠). |
|
لم أعثر في مجال بحثي على حالات وثيقة، كانت فيها هجن من الحيوانات مستكملة القدرة على الإنتاج، غير أني، على الرغم من هذا لعلى اعتقاد، بما لدي من الاعتبارات والدلائل الطبيعية، أن الهجن الناتجة عن تهاجن «السَّرْفول الغمدي»،٢٤ و«السرفول الريفسي»،٢٥ والهجن الناتجة عن تهاجن «الدَّراج القُلخيِسي»،٢٦ و«الدراج المطوق»٢٧ تكون تامة الخصب. ولقد ذكر «مسيو كاتريفاج» أن الهجن الناتجة عن نوعين من الفراش، هما «القزَّاز السِّنثي»،٢٨ و«القزاز الأرِنْدي»٢٩ قد احتفظت خلال التجاريب، التي أُجريت عليها في باريس، بكمال خصبها مدى ثمانية أجيال متعاقبة. ولقد ثبت أخيرًا، أن نوعي الأرانب المؤلفة والوحشية، وهما نوعان مستقلان تمامًا، إذا تناسلا، أنتجا نسلًا يبلغ نهاية ما يمكن أن تبلغ الحيوانات من الخصب والإنتاج لدى تهاجنه مع أحد نوعية الأصليين، والهجن الناتجة من تهاجن الوز العادي والوز الصيني؛ أي «الوز الدجاجي»،٣٠ وهي أنواع بلغ من اختلاف بعضها عن بعض أن اعتبرت أجناسًا معينة، قد تناسلت في إنجلترا، عند تهاجنها مع الأنواع الأولية التي أنتجتها، ولم تنتج بتهاجن بعضها من بعض إلا في حالة واحدة لا غير. ولقد أجرى هذه التجاريب «مستر أيتون»، الذي استحدث هجينين من أبوين بذاتهما، ولكن من بطون مختلفة، ومن تينكما صورتان، أمكنه أن يستحدث منهما ما لا يقل عن ثمانية هجن من بطن واحد، استولد فيه الجيل الثالث من نسل الوز الأصلي. أما في الهند فمما لا مشاحة فيه، أن الوز الناتج بالتهاجن أكثر إنتاجًا، وأتم خصبًا من هذا، فإن مستر «بليث»، وكابتن «هاتون» — وكلاهما من أهل النظر — قد أكدا لي أن أسرابًا من الوز الناتج بالتهاجن يحتفظ بها في كثير من بقاع الهند، فإذا عرفنا أن السبب في الاحتفاظ بهذه الأسراب راجع إلى النفع المادي المحض، وعلمنا أنه لا يوجد شيء من الأنواع الأصلية التي نتجت عنها هذه الأسراب، فلا جرم، نحكم بأنها قد بلغت النهاية في الخصب والقدرة على الإنتاج، إذا ما نظرنا إلى كثرة عددها، ووفرة جموعها. |
|
ولا يُشْتَرَى الصديقُ ولا الخليلة. أجلْ، إن من السهل حيازةَ نساءٍ بالمال، بَيْدَ أن المالَ وسيلةُ عدمِ كَوْنِ الواحدِ عاشقًا لأيةِ واحدةٍ منهن. ومع أن بيعَ الغرامِ أمرٌ مُستبعَدٌ فإن المالَ يقتله لا محالة، ومَن يدفعُ مالًا لا يُحَبُّ لزمنٍ طويلٍ بسبب دَفْعه ولو كان أحرى النَّاس بالحُب، وذلك أنه لا يلبثُ أن يدفعَ من أجلِ آخَر، وإن شئتَ فقُل إنه سيُدفَع إلى هذا الآخرِ من ماله، فتكُون المرأةُ الطامعةُ الخائنةُ الخبيثةُ في هذه العلاقة المضاعَفَةِ التي نُسِجَت من المنفعة والدَّعارة والخاليةِ من الحُبِّ والشرف واللذة الحقيقية، تكون هذه المرأةُ التي تُعامَل من قِبَل النذلِ المدفوعِ إليه مالٌ كما تُعامِل الغبيَّ الدافعَ إليها مالًا بريئةَ الذِّمة نحو الاثنَين على هذا الوجه. ومن أحْلى الأمورِ أن يكونَ الإنسانُ نديَّ الكفِّ تجاه مَن يحبُّ إذا لم يُؤدِّ هذا إلى مساومة، ولا أعْرِفُ غيرَ وسيلةٍ واحدةٍ يَروي الرجلُ بها هذا المَيلَ مع خليلته من غيرِ أن يُسمَّم الحُب، وهي أن يُعطيها كلَّ شيء، ثُمَّ أن تقوم بأمورِ عيشه، وقد بقيَ أن يُعرَف أين تكونُ المرأة التي يخلُو اتخاذُ هذه الطريقة معها من هَوَس. |
|
#### ما يُستنبَط من دفن الملك «كامس» بهذه الكيفية
ويمكننا أن نستخلص بعض حقائق هامة من دفن الملك «كامس»؛ إذ تدل ظواهر الأمور على أن الفرعون قد قضى نحبه بعد حكم قصير، فلم يستطع أن يجهز لنفسه تابوتًا ملكيًّا مذهبًا يتفق مع ملكه؛ ولذلك نجد أن خلفه قد دفنه بعد وفاته بزمن قصير في تابوت رخيص، ممَّا كان يُشترَى عادةً من حانوت المتعهد لأفراد القوم، وقد خلفه على العرش «أحمس»، وهو الذي وُجِد سواره على مومية «كامس»، والرأي السائد الآن أن «أحمس» كان أخاه الأصغر، وهذا ما توحي به كل القرائن التي جُمِعت من «جبانة طيبة»، على أنهما كانَا ابني الفرعون «سقنن رع» والملكة «أعح حتب»، ولم نعرف شيئًا مباشرًا عن آثار هذا الفرعون إلا اللوح الذي وجده «كارنرفون»، وسنتكلم عنه فيما بعدُ، ولكن من جهة أخرى نعرف اثنين من الكهنة الذين كانوا في حراسة قبر هذا الملك في باكورة الأسرة الثامنة عشرة: أولهما «مس» الذي كان يحمل ألقابًا كاهنية في معبدَيِ الملك «تاعا» والملك «تحتمس» الأول، وكان يعمل كاهنًا جنازيًّا للملك «كامس»؛ والكاهن الآخَر اسمه «مس» أيضًا، وقد وجد له الأثري «لانسنج» بعض بقايا من آثاره في «البرابي»، وكان يقوم بوظيفة رئيس الكهنة للفرعون، وقد ذكرنا أن «كامس» كان يُعَدُّ ضمن أرباب الغرب الذين يُعبَدون في عهد الأسرة التاسعة عشرة. |
|
جَاءَ السُّرُورُ أَزَالَ الْهَمَّ وَالْحَزَنَا
ثُمَّ اجْتَمَعْنَا وَأَكْمَدْنَا حَوَاسِدَنَا
وَنَسْمَةُ الْوَصْلِ قَدْ هَبَّتْ مُعَطَّرَةً
فَأَحْيَتِ الْقَلْبَ وَالْأَحْشَاءَ وَالْبَدَنَا
وَبَهْجَةُ الْأُنْسِ قَدْ لَاحَتْ خَوَالِفُهَا
وَفِي الْخَوَافِقِ قَدْ دَقَّتْ بَشَائِرَنَا
لَا تَحْسَبُوا أَنَّنَا بَاكُونَ مِنْ حَزَنٍ
لَكِنْ فَرِحْنَا وَقَدْ فَاضَتْ مَدَامِعُنَا
فَكَمْ رَأَيْنَا مِنَ الْأَهْوَالِ وَانْصَرَفَتْ
وَقَدْ صَبَرْنَا عَلَى مَا هَيَّجَ الشَّجَنَا
فَسَاعَةٌ مِنْ وِصَالٍ قَدْ نَسِينَا بِهَا
مَا كَانَ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ شَيَّبَنَا |
|
وكنتُ أفكر في أن الموت أهون لي من أن ينكشف ذلك للسيد إغامي عند زواجنا. ربما كانت نية السيد إغامي أن يُحاول محاولةً وهو يعرف أنها محتومة الفشل فيُرفَض طلبه في النهاية. ولكن بالنسبة لي أنا التي كنتُ أحبُّ السيد إغامي حبًّا حقيقيًّا، فقد شعرتُ أن طلبه ذلك — بدون وضْع الزواج شرطًا مُسبقًا — فرصة حقيقية لي … وهكذا … وهكذا بعد أن عانَيتُ من التفكير طويلًا، هُزِمتُ في النهاية أمام رغبته ووهبتُ له جسدي. ومن المؤكد أنَّ السيد إغامي قد عرف على الفور أن جسدي مُدنَّس، ولكنه لم يقُل شيئًا عن ذلك مطلقًا. ولكن على العكس جرح ذلك كبريائي. فلم يقُل لي أيضًا بعد ذلك شيئًا. ومن ثم فعدم قول السيد إغامي ذلك الآن، جعل بذور الشكِّ تنبت داخلي، أنه سيجعل تلك ورقته الرابحة حين أُفكِّر فيما بعدُ في طلبِ الزواج منه. وأعتقد أن ذلك الشك كان صحيحًا. أجل؛ لأن السيد إغامي لم يذكُر ولو مرةً واحدةً كلمة الزواج على لِسانه بعد ذلك. |
|
وبطبيعة الحال يأتي أرسطو في مقدمة الوافد كله، ولا يشرح ابن رشد أرسطو فحسب ولكنه يعترف له بحقه، ويوجب له الشكر لنفسه وللجميع كما شكر أرسطو القدماء مع قلة ما كان عند القدماء من معرفة الحق، وعظم ما أتى به أرسطو من الحق من بعدهم، وانفرد به عنهم حتى كمل عنده. ويتم شكر أرسطو عن طريق العناية بأقاويله وشرحها وإيضاحها لجميع الناس. لقد بدأت الفلسفة بالكندي في رسالته إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى معترفًا للقدماء بمساهمتهم في الحق، وانتهت بوجوب شكر القدماء في حضارة تقوم على الموروث وفي بؤرته الوحي، ومن يدري فربما كان أرسطو وأفلاطون وسقراط أنبياء أرسلهم الله لبني يونان مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ. والقرآن لم يتحدث إلا عن أنبياء بني إسرائيل المعروفين لدى العرب في شبه الجزيرة العربية.٣٣ |
|
بالإضافة إلى الوجبات التقليدية، يَتناول الأطفال والمراهقون بصفة دورية أطعمة تسالي، وفي أثناء تناول أطعمة التسالي غالبًا ما تُستخدم وسائل الإعلام. بل إن التسالي أكثر عرضة لأن تُستهلك أمام التليفزيون من أي وجبة أخرى (ماثيسون وكيلين ووانج وفارادي وروبنسون، ٢٠٠٤). إلا أن ماثيسون وزملاءه وجدوا أنه فيما يتعلَّق بطلاب الصف الثالث والخامس لم يُؤثِّر استخدام التليفزيون من عدمه على إجمالي محتوى الدهون والسعرات في الطعام المُستهلك. وبالمثل، فإن تناول الطعام أمام التليفزيون لم يؤثر على إجمالي جرعة الطاقة في مرحلة ما قبل المدرسة (فرانسيس وبيرش، ٢٠٠٦)، ووجد كاروث وزملاؤه (كاروث، وجولدبيرج، وسكينر، ١٩٩١) أنه عند النشء في السنة الدراسية من العاشرة حتى الثانية عشرة لم تؤدِّ مُشاهدة الإعلانات التليفزيونية الغذائية إلى زيادة تناولهم من الوجبات الخفيفة في أثناء المشاهدة؛ من ثَم فإن تناول الوجبات الخفيفة أمام التليفزيون يبدو أنه لا يستبدل تناول الأطعمة الرديئة من الناحية الغذائية بتناول الأغذية الغنية. وعلاوةً على ذلك، قد تكون تلك التقييمات محلَّ جدل؛ فقد اكتشف فيلد وزملاؤه (٢٠٠٤) أنه بصرف النظر عن استخدام وسائل الإعلام، فإن تناول الوجبات الخفيفة ليس له تأثير على مؤشِّر كتلة الجسم لدى الأطفال من سن ٩ إلى ١٤ سنة. |
|
هل يدري طه حسين معنى قوله تعالى: مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ومعنى قوله: مِنْ خَلْفِهِ، وهل يفهم هذه البلاغة المعجزة التي يسجد لها البلغاء؟ إن معناها يا أستاذ الجامعة أن القرآن لا يشخص عصرًا ولا يمثله، بل هو كتاب كل عصر، وهو الثابت على كل علم وكل بحث وكل اختراع واستكشاف على مدى الأزمنة في أيها جاء مما سيستأنفه التاريخ؛ وهذا معنى مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وأيها ذهب مما يطويه الماضي» وهذا معنى مِنْ خَلْفِهِ؛ وليس يخفى عليك أن العصور يصحح بعضها بعضًا ويكشف بعضها خطأ بعض، وقد يتقرَّر في زمن ما يثبت بعد أزمان طويلة أنه كان خطأ، فقوله: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ من الكلمات التي لا تخطر بفكر إنساني يُظنُّ أنه يشخص العصر الجاهلي، بل هي عِلم من لا يعلم غيره أن ستجدُّ أمور وتحدث علوم وتُمحَّص تواريخ وتنشأ مخترعات، فلو فهم الجاهل لما تكلم إلا الفاهم؛ وقد قال الله في أشباه طه حسين: وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا. |
|
ولقد كان الوالد المرحوم جعلني في رفقة سموه مدة الحج، فعرفني حق المعرفة ومال إليَّ بكليته؛ فسافرنا من السويس في قطار خاص إلى الإسكندرية، وكان الغداء والعشاء في القطار. أما هؤلاء الذوات فبعد أن أدوا واجبهم تخلفوا في القاهرة، ما عدا علي بك شاهين والشيخ حازم بن مليحم مقوم الحج المصري، فإنهما سافرا معي إلى رأس التين. وتفضل سموه فقابلني في اليوم الثاني، بذلك القصر الفخم الذي كاد يزداد بهاء بطلعة سموه المشرقة، أسكنه الله فسيح الجنان وأبدله دارًا خيرًا من داره، فإنه الغريب الشهيد. ولما رآني قال مظهرًا الدهشة، «مالك؟ دانت خسِّيت؟ جرى إيه؟» فأجبته: ما من شيء يا أفندينا. وإنما حمى أصابتني بعد سفر سموك من المدينة، واستمرت بي أكثر من خمسة وعشرين يومًا، ثم زالت. فقال: متى تسافر؟ فقلت: إن أذن سموك فالسفر غدًا إن شاء الله. فأجاب: «ما يصحش قبل أن يفحصك الدكتور كاوسكي بك فنرى المرض ده هو إيه». وبعد المعاينة بأخذ الدم من إصبعي، قال الطبيب كاوسكي إن مرضي كانت الحمى التيفوئيدية، ورتب لي علاجًا أستعمله. |
|
الفكرة السائدة عن فلسفة وايتهد عند مُعظم شارحيه، هي أنه قد مال آخِر الأمر نحو الفلسفة الأفلاطونية؛ فلئن كانت نظرية المُثُل هي الركيزة الأساسية في فلسفة أفلاطون، وهي نظرية تفصِل بين عالَمَين: عالم النماذج الصُّورية التي هي أقرَبُ إلى الصِّيَغ الرياضية في ناحية، وعالم الطبيعة المُجسَّدة التي تُحاول أن تقترِب من تلك النماذج في ناحيةٍ أخرى، فكذلك فعل وايتهد حين تصوَّر إطارًا رياضيًّا من علاقات منطقية يفرض نفسه على أحداث الطبيعة؛ وإن الشبه بين الفيلسوفين ليشتدُّ عندما يُحدِّثنا وايتهد عمَّا يُسميه «عالم الكائنات الأزلية» فها هنا لا تكاد العين عند النظرة الأولى تُفرِّق بين تلك الكائنات الأزلية عند وايتهد وبين المُثُل عند أفلاطون؛ ففي كِلتا الحالتين نتصوَّر عالمًا كاملًا كمالًا رياضيًّا ومنطقيًّا، نتصوَّرُه قائمًا منذ الأزل، ليجيء هذا العالَم المادي المَحسوس فيُحاول بصيرورتِهِ وتغيُّره وتَطوُّره وتقدُّمه أن يدنُوَ من ذلك المَثل الأعلى الكامل ما استطاع إلى الدُّنُوِّ من سبيل؛ أو إنْ شئتَ فقل إنَّنا في كِلتا الحالَين نفرِض وجود عالمين: عالم المُمكنات من ناحية، وعالم الموجودات الفعلية من ناحية أخرى؛ ففي العالم الأول صُورٌ لِما يُمكن للأشياء أن تكون عليه لو بلغتْ حدَّ كمالها، وفي العالم الثاني موجودات فِعلية بما فيها من نقصٍ يُبعدها عن الصورة المُثلى. |
|
ويرى «جيوبرتي» أنه يجب أنْ توحي بالتفاؤل، وتبعث على الرجاء هذه العظمة التي كانت لإيطاليا في الماضي، وهذه الصدارة أو الزعامة التي كانت تتمتع بها، ولكن حتى يتسنى لإيطاليا أنْ تسترجع في هذا العالم الحديث مكان الصدارة الذي كان لها، يجب أنْ يتحد الإيطاليون، ولكن ليس بطريق القوة، بل يكون اتحادًا سلميًّا، ويجب أنْ يظفر الإيطاليون بالاستقلال، وأمَّا هذا الاتحاد فيكون مؤسسًا على التقاليد الإيطالية، كما يقول «جيوبرتي» هي الاتحاد بين إيطاليا الزمنية أو العلمانية وبين البابوية؛ لأن الإيطالي لن يكون إيطاليًّا صحيحًا إلَّا إذا كان كاثوليكيًّا، ولصنع هذا الاتحاد؛ يتحتم على كل الطبقات في المجتمع خدمة «الدولة»، وهو يدعوها لتأدية هذه الخدمة، فالنبلاء عليهم أنْ يسوغوا ألقاب الشرف والنبل التي لهم، بإظهار ضروب البسالة والتنازل عن امتيازاتهم، واحترام مَنْ هم أدنى مرتبة منهم، والقساوسة ورجال الدين عليهم أنْ يسوغوا المكانة التي بلغوها، بأن يعلِّموا أنفسهم، وأنْ يتحرَّروا من «مشاغل الدنيا»، وأنْ يكونوا متسامحين. بل ويدعو «جيوبرتي» جماعة اليسوعيين للاشتراك في هذا الجهد القومي، صنع الاتحاد، اتحاد إيطاليا، وأمَّا الأمراء الحاكمون، فالواجب عليهم؛ القيام بالإصلاح في كل النواحي، وأنْ يمنحوا رعاياهم المجالس الانتخابية، وأنْ يمنحوا الصحافة الحرية، وأنْ يلغوا القيود المفروضة على الطباعة، ومن بين هؤلاء الأمراء الحاكمين وَجَّه «جيوبرتي» دعوة خاصة لملك بيدمنت. |
|
أقرب قرية إلى مكان أكواخنا الخشبية هي قرية بنوبولس، وباسمها يُعْرَف المكان، والذاهب إلى الأكواخ على شاطئ البحيرة يمر بمكتب بريد ريفي قديم يقع على حافة الغابة التي نتخللها لنصل إلى البحيرة، فكلما مررنا بالسيارة أمام هذا المكتب في جولاتنا، أشار مستر «ﻫ» إلى مكتب البريد ضاحكًا ضحكًا عاليًا وقال: صندوق الخطابات هنا فَتْحَتُه عمودية (العادة طبعًا أن تكون فتحة الصندوق أفقية) هذه الحقيقة البسيطة يقولها مستر «ﻫ» كلما مررنا هناك، وفي كل مرة يضحك ضحكًا عاليًا، لا يمل من التكرار، ولا ينقطع عن الضحك في كل مرة كأنه في كل مرة يكشف كشفًا جديدًا؛ وهذا كله دال على بساطة نفسه وعدم التعقُّد في نفسيته، والحق أني أصبحت الآن أَمْيَلَ إلى وصف الشعب الأمريكي كله بهذه الصفة، وهي انطلاقه انطلاقًا حرًّا في التعبير عن نفسه (ذلك بالطبع إذ نصف جاز أن شعبًا بصفة من الصفات)؛ الأمريكي ذو نفس شفافة أقرب إلى نفس الطفل في شفافيتها، ليس فيها القيود الداخلية التي تمنعه من القول والسلوك على نحوٍّ حر طليق يعبِّر عن فردية الفرد إلى أقصى حدٍّ مستطاع في مجتمع؛ لا غرابة أن يلبس رئيس جمهوريتهم قميصًا مشجَّرًا ملوَّنًا، ولا غرابة في أن يضحك مستر «ﻫ» لما هو تافه في نظر المأزوم من الوجهة النفسية، الذي يُلجِم نفسه عن المرح والضحك إلى أن تهتز له الأرض وما عليها من أثقال! |
|
* (٦)
إطلاق الحرية الشخصية لكلِّ فردٍ في تصرُّفِهِ ما دام لا يجرُّ ضررًا؛ فمن الناس من يشتغلُ في الحياة ويكدُّ فيها ويجمع منها ثروة طائلة يكفيه منها جزءٌ قليلٌ، ويريد أن تكون هذه الثروة محفوظة لذراريه وحفدته طبقة بعد طبقة؛ لينتفعوا منها من بعده، وليبقى اسمه مذكورًا بينهم معروفًا بين الناس. فالوقف هو الذي يضمن له ذلك، وهو الذي يؤدِّي إلى هذا الغرضِ النَّبِيلِ الذي قصد إليه، وبدونِ الوَقفِ لا يتمُّ له هذا الغرض. فلماذا نفوِّتُ عليه غرضه هذا ونمنعه ونحولُ بينه وبين إرادته؟! إنَّ الأشخاص الذين يُريدُون حلَّ الأوقافِ التي يستحقُّون ريعها لا يحملهم على ذلك إلَّا الفائدة العاجلة التي تنالهم من هذا الحلِّ، وهُم في الواقع لا يستحقُّونها؛ لأن من كان يستحق قبلهم لو صنع بالوقف مثل ما يريدون أن يصنعوا به لما وجدوا شيئًا يحلونه ويتصرفون فيه، وهم لو فكَّروا قليلًا لعرفوا أن الذريَّات التي سيُرزقون بها ستنطلق ألسنتهم بالسخط على تصرُّفِهِم هذا بدلًا من الترحُّمِ عليهم والدُّعاءِ لهم. |
|
فالجسم الحي مركَّبٌ من أعضاءٍ مختلفة، ولكل عضو من هذه الأعضاء عملٌ خاص ومشترك معًا؛ أعني أن العضو الواحد يعمل غير ما يعمل الآخر، ويعمل له في آنٍ واحد؛ فإن المعدة مثلًا تعمل غير ما يعمل القلب، والقلب غير ما يعمل الدماغ، وكلٌّ من الدماغ والقلب والمعدة لازم للآخر. وكذلك العمران، فإنه مركَّب أيضًا من أعضاءٍ مختلفة تعمل لغايةٍ واحدة؛ فالزارع يعمل غير ما يعمل الصانع، والصانع غير ما يعمل الوازع، وكلٌّ من الوازع والصانع والزارع لازم للآخر؛ فهو من هذا القبيل كالحي تمامًا. ولا تقتصر هذه المُشابهة على الصفات الخاصة فقط، بل تتناول العامة أيضًا؛ فقد قال سبنسر، وقوله حق: «إن القُوى الكبرى في حيوانٍ تام التركيب ثلاث، وهي: الغاذية، وأفعالها تهيئة الغذاء، وآلاتها المعدة والكبد وما يتلوهما. والمُدبِّرة، وأفعالها تحصيل الغذاء، وآلاتها الدماغ والأعصاب وما يتلوها. والمُوزِّعة، وأفعالها توزيع الغذاء، وآلاتها القلب والشرايين وما يتلوها. وإن القُوى الكبرى في العمران ثلاث كذلك، وهي: الصناعة، وأفعالها الاعتمال للمعاش. والحكومة، وأفعالها تحصيل أسباب هذا المعاش. والتجارة، وأفعالها توزيع هذا المعاش.» |
|
إن الفكرة الأساسية في محاورات أفلاطون — مع اختلاف موضوعاتها وأساليب تعبيرها — هي إيجاد الإنسان العادل الكامل في مجتمعٍ عادلٍ كامل. ولهذا كان «أوَّلًا وقبل كل شيء فيلسوف العدالة، لم يعش إلا لهذا الهدف، ولم يعمل إلا على تحقيقه، سواء في حياته أو في مؤلفاته»،٤ والواقع أن أفلاطون لم يصل إلى الفلسفة إلا عن طريق السياسة ومن أجل السياسة٥ ظلت الفلسفة الحقيقية عنده هي السياسة الحقيقية، والاعتبارات العملية هي أساس أفكاره الميتافيزيقيَّة والأخلاقيَّة والمعرفيَّة والجماليَّة. إن فلسفته كلها موقف اجتماعي يتخذ صورة فلسفية هي ضمان الخير للدولة،٦ ولعله لم يكن لِيكتُب كبرى محاوراته وواسطة عِقدها «الجمهورية» لو لم تَقُم على ظروف فعليَّة، ولو لم يقصد فيها أن تُشكِّل الحياة الفعلية أو تُؤثِّر فيها على الأقل. ولعل الرسالة السابعة أيضًا أن تكون أوضح دليل على محاولاته المُستميتة لتطبيق أفكاره على الواقع العملي. ويكفي أن يَطَّلع عليها القارئ في هذا الكتاب ليشهد ملحمة الصراع والأخطار التي ألقى بنفسه فيها وخرج منها في النهاية مُثخَنًا بجراح لم يَتوقَّف نزيفها قَط. ولا بد أنه اقتنع في النهاية بأن «أحوال الدول الحاضرة كلها تدعو للرثاء، وأن الفلسفة الحقَّة هي وحدها السبيل إلى معرفة العدل والصواب الذي تَصلُح به الدولة والحياة الخاصة …» (٣٢٦ب)؛ ولهذا عكف بعد النجاة من مغامراته الأخيرة على بناء نظام فكري وتعليمي من شأنه أن يضمن الخير والعدل للدولة إذا قُدِّر أن يجد السلطة الحاكمة التي تفرضه. |
|
أما حكم الإسلاميين المحدثين فإنها استئناف لحكم العرب. والعنوان من الناشر مُستقًى من النص. والمحدثون من الفلاسفة والعلماء والباحثين من طلب العلم من الإسلاميين. فالإسلاميون ورثة العرب الذين ورثوا الروم الذين ورثوا الهند التي ورثت فارس. وهم في نفس الوقت موروثون من أجيال جديدة من طلاب العلم، وتتضمَّن أقسامًا خمسة: وصية وفصلان غير منسوبين إلى أحد ثم آداب ابن المقفع ووصاياه ثم كلام الفارابي من وصاياه. وأكبرها كلام ابن المقفع ثم الفارابي. والخاتمة تضم ثلاثة أقوال لأفلاطون والعامري والجاحظ وقولًا رابعًا غير منسوب إلى أحد. وأكبرها كلام العامري، وكأن حكم المسلمين المحدثين من ثلاثة، ابن المقفع والعامري والفارابي، والثلاثة من غير العرب.٦٣ وهي نصوص طويلة وليس مجرد مجموعة من الأقوال المتفرِّقة، من الحكمة الشعبية وليست من الحكمة العقلية الرفيعة للكندي وابن سينا. والعجيب أن تعود حكمة اليونان من جديد، أفلاطون نموذجًا في الخاتمة مع العامري والجاحظ مما يدلُّ على أن أفلاطون أصبح جزءًا من الحكمة الشعبية، ولم يَعُد جزءًا من الثقافة العالمة. قبل الجاحظ ثقافة العرب، وقبل العامري ثقافة المسلمين. وقد اختارت الخاتمة مُمثلًا لحكمة اليونان وليس للهند أو فارس، ربما لبيان مدى التقارب بين المسلمين المُحدثين واليونان بالرغم من أن مسكويه فارسي الأصل. والحديث عن طبقات الناس عند الفارابي تدلُّ على رؤية صائبة لفكره كما عرضه في آراء أهل المدينة الفاضلة. وربما السبب هو الخاتمة ببعض النوادر والحكايات لا يهمُّ مصدرها، اليونان أو العرب أو المسلمون المحدثون مما يدلُّ على وحدة الحكمة الشعبية.٦٤ |
|
ينبغي أن نلاحظ أيضًا أن الحركات المعاصرة، حسب رؤية كثير من المراقبين، لا تعكس بالضرورة تحوُّلًا راديكاليًّا متواصلًا في رهانات الفعل الجمعي وفي أطرافه الفاعلة، بل يجب النظر إلى الحركات التي نشأت في السنوات الأخيرة باعتبارها تجسيدًا للمصاعب التي تُواجِهها الأنظمة المُمثلة في التعامل مع المطالب الجديدة التي يُفرزها التغير الاجتماعي حتمًا. وانطلاقًا من هذا المنظور، ليس بالضرورة أن تكون «الحركات الجديدة» انعكاسًا للتحولات البِنيوية العالمية، أو مؤشِّراتٍ لبروز معاييرَ جديدةٍ لتحديد بِنية الصراعات السياسية، وإنما هي في الواقع الحلقة التالية في سلسةٍ طويلة من المظاهر الدالة على الطبيعة الدورية للاحتجاجات السياسية.١٨ إن لهذا الرأي المعارض ثِقله، لا سيما حين يُوجَّه إلى التعميمات غير الملائمة أو المتسرعة بشأن عناصر «الحداثة» التي انكشفت في السنوات الأخيرة. فمن الأهمية بمكان أن نعي أن نماذج الفعل الجمعي في العقود الأخيرة لا تنتمي جميعها تلقائيًّا للنمط الجديد؛ فعقدا الستينيات والسبعينيات لم يَشهدا فقط بزوغ ظواهرَ سياسيةٍ جديدة، بل شهدا كذلك إعادة إحياء مبادَرات أطلقتها أطرافٌ فاعلةٌ جمعية «قديمة» كالطبقة العاملة والأقليات العِرقية اللغوية. وقد تجلَّت قدرة الفئة الأخيرة على التعبئة في أشكالٍ مختلفة خلال السنوات الأخيرة (سميث ١٩٨١؛ ميلوتشي ودياني ١٩٩٢؛ برويلي ١٩٩٣؛ كونر ١٩٩٤). |
|
* إنكلترا: أي بلاد الإنكليز، هي أكبر أقسام مملكة الإنكليز وأخصبها تربةً وأكثرها أهلًا، وسطحها مخترقٌ بجبال منخفضة وتلال وأودية تتخللها سهول كثيرة. ولكثرة الاعتناء بأمور الزراعة قد بلغ أهلها إلى الدرجة القصوى في كل ما ينبغي لها، فصارت أكثر أراضيهم في غاية الخصب، وهي تُسقى بالأمطار صيفًا وشتاءً، وفي جهة الغرب منها قسمٌ يُدعى وايلس، كان قديمًا مملكة مستقلة، ويحدها بما فيه قسم وايلس شمالًا سكوتلاندا، وشرقًا أوقيانوس جرمانيا، وجنوبًا البوغاز الإنكليزي وبواغيز دوفر، وغربًا خليج مار جرجس وبحر أيِرلاندا. طولها ٤٠٠ ميل، وعرضها ١٥٠ ميل، ومساحتها ٥٠٠٠٠ ميل مربع، وبلغ عدد سكانها في سنة ١٨٢٧ب.م ١٢٠٠٠٠٠٠ نفس، ومساحة قسم وايلس ٨١٢٥ ميل مربع، وعدد أهله في السنة المذكورة ٧٢٠٠٠٠ نفس. هجوم الرومان عليها في زمن يوليس قيصر سنة ٥٥ق.م، ثم في زمن أغريكولا، جنرال روماني قد أتم الرومان فتح هذه البلاد. خروج الرومان منها سنة ٤٢٨ب.م، وقال بعضهم إن خروج الرومان من بريطانيا كان في سنة ٤٢٠ب.م. حربها لفرنسا سنة ١٣٨٣ب.م. انضمام أيرلاندا إليها سنة ١٨٠٠ب.م. |
|
لو كان القانون العلمي صادقًا بحكم الضرورة المنطقية، لا بحكم اطِّراد الوقوع، لكان نقيضه مستحيلًا استحالةً منطقية كذلك، فهل القانون الطبيعي نقيضه مستحيل من الوجهة المنطقية؟ كلا، فنقيض أي قانون طبیعي ممكنٌ عقلًا، وغاية ما في الأمر أن هذا النقيض لم يحدث، وفرقٌ بعيدٌ بين الحالتين. ولنضرب للمعنى الذي نريده مثلًا من العلم الطبيعي الحديث، لنضرب له مثل القانون الذي يُسمَّى بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية،٦ والذي مؤدَّاه أن الحرارة تنتقل دائمًا من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وأن العكس لا يحدث أبدًا؛ فلا يحدث أبدًا أن تضع قطعة من الثلج في كوب من الماء فتنتقل البرودة من الماء إلى قطعة الثلج لتزيدها بُرودة وليزيد الماء بذلك حرارة، إنه لا يحدث أبدًا أن تضع قطعة من الحديد المحمى على قطعة من الحديد البارد فينتقل شيء من الحرارة القليلة الموجودة في القطعة الباردة إلى القطعة المحماة فتزيدها حرارة بينما تزيد الأولى برودة، بل الذي يحدث دائمًا هو أن تنتقل حرارة الماء إلى الثلج البارد حتى يتعادَلَا، وأن تنتقل حرارة الحديدة المحماة إلى الحديدة الباردة حتى تتعادلا أيضًا. وهكذا قل في كل حالة يتصل فيها جسمٌ أكثر حرارة بجسمٍ أقل حرارة؛ فإن الحرارة دائمًا تسير من الأحرِّ إلى الأبرد، فلماذا؟ لماذا لا يحدث العكس؟ جوابنا هو: هكذا لاحظنا الظواهر كيف تحدث، فجعلنا ما قد اطَّرد حدوثه في ملاحظتنا قانونًا، على الرغم من أن العقل الصِّرف لا ينفي حدوث العكس. |
|
وخلاصة ما اعتمده نوردو من الرأي في الفصل بين الأخلاق والآداب، هو قسمتها إلى ذينك الشطرين، فما كان منها من صفات قومه فهو الصالح المطلوب، وما لم يكن من صفاتهم أو كان نصيبهم منه قليلًا أو ملتبسًا فذلك النافلة الذي لا غناء به ولا معول في الحياة عليه، فالحصافة (أي العقل) هي أنفس ثمار الطبيعة، والإرادة هي دعامة الفضيلة، والتوفيق بين الإنسان وبيئته هو معيار اتساق المزاج والصلاحية للحياة، ودليل الانتظام في أدوات الحس بحيث تحسن الأخذ عن مؤثرات الطبيعة والتحول معها والتطور بما يوائم ضروراتها ويجري وفاقًا لتقلباتها؛ وعنده أن المنفعة هي غاية ما يسعى إليه الناس جماعات وأفرادًا، وأن الإيثار أو الإحسان من خلق الذين شذوا عن سواء الخلقة، وضعفت فيهم حيوية الجسد من إحدى جوانبها، واختل ميزان عقولهم وشعورهم، فهو عرض من أعراض الضعف كل ما يخفف محمله أنه قد يجلب نفعًا للنوع في عقباه، أما الشعر والفلسفة والقصص وغيرها من وحي الخيال والبديهة الهادية، فكل ما قارب منها الفكر والمنفعة فخير، وكل ما ابتعد عنها فهراء وعلى غير طائل، وهي بعد عبث يحمد من الإنسانية في طفولتها وغرارتها، ولا يحمد منها في رجولتها ووقار حنكتها. ولهذه الملكات الفضولية أن تمنينا الأماني وتحدثنا حديث الأسرار المطوية عن أبصارنا وأفكارنا في هذا الوجود، وأن تفتن في تفسيرها والرمز إليها؛ فنسمعها لاهين بسمرها ونجواها، ولكننا لا نصدق بعد كل ما نسمعه من لغوها أن وراء الظواهر عالمًا غير عالمنا هذا المشاهد الملموس الخاضع للتجربة والاستقراء، وهل هي إلا النتيجة التي تأدى إليها اليهود بفطرتهم الذكية قبل آلاف السنين؟ |
|
معظمها إجاباتٌ عملية تهدف إلى تحقيق مصالح الناس؛ الأهلَّة لمعرفة المواقيت، والمحيض أذًى يوجب الاعتزال عن النساء، والخمر بها مضارٌّ للصحة والعقل والمال، ولا جواب عن أسئلةٍ نظرية لا ينتج عنها أثرٌ عملي، مثل وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (الإسراء: ٨٥). وهناك أسئلةٌ انتهى عصرها، مثل السؤال عن الأنفال والغنائم؛ فلا تُوزَّع غنائم الحرب، في حالة الانتصار اليوم، سلاحًا وعتادًا وإماءً على المُحاربين، بل تصبح ملكًا للدولة. والأسرى، نساءً ورجالًا، تحميهم المواثيق والمعاهدات الدولية. والشريعة مُتغيرة بتغيُّر الزمان بدليل «الناسخ والمنسوخ»؛ فالأحكام الشرعية مُتطورة بتطوُّر الزمان كما هو الحال في تحريم الخمر الذي تدرَّج كما هو معروف، من الضرر إلى عدم شربه وقت الصلاة إلى اجتنابه كليةً. وأحيانًا يتجاوز الواقع والزمان أحكام الشريعة، مثل أحكام الغنائم والإماء والصيد. وقد أوقف عمر العمل بحد السرقة عام المجاعة كما هو معروف، وأوقف سهم المؤلَّفة قلوبهم، وأفتى محمد عبده بجواز أخذ فوائد التوفير نظرًا لانخفاض العملة عبر الزمان، وأفتى آخرون بإيقاف تعدُّد الزوجات كحقٍّ مُطلَق استنادًا إلى تعليقه على شرطٍ مُستحيل، وهو العدل بينهن. ورأى آخرون إبقاءه بعد إخطار الزوجة الأولى. وشُكِّلت لجان لإعادة تقنين الشريعة طبقًا لأحوال العصر، وإعطاء صياغات جديدة لقانون الأحوال الشخصية بدلًا من توقُّف المطلَّقات والأرامل، واللاتي يُهاجر أزواجهن إلى مناطق جذب العمالة دون إخطار زوجاتهن. كلٌّ منهن تحمل على ذراعَيها وليدها، أو تجرُّ في أذيالها أبناءها وبناتها. |
|
قَالَ رالف: «بِالطَّبْعِ! إِنَّنِي أَتَّفِقُ مَعَ فيلياس؛ إِذْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ السَّفَرَ أَسْرَعَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَلِهَذَا السَّبَبِ تَحْدِيدًا سَوْفَ نَتَمَكَّنُ مِنْ إِلْقَاءِ الْقَبْضِ عَلَى اللِّصِّ، حَيْثُ سَنَظَلُّ مُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ بِخُطْوَةٍ مِنْ خِلَالِ وَضْعِ مُحَقِّقِينَ فِي أَيِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْتَبِئَ فِيهِ.» |
|
لَاحَظَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون أَنَّ بوب وايت وَعَائِلَتَهُ أَمْضَوُا الْكَثِيرَ مِنَ الْوَقْتِ فِي حَقْلِ الْقَمْحِ. فِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، رَأَى بوب وَهُوَ يَلْتَقِطُ شَيْئًا مِنْ سَاقِ نَبَاتِ الْقَمْحِ، فَذَهَبَ لِيَرَى مَاهِيَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ. بِالطَّبْعِ هُرِعَ بوب مُبْتَعِدًا، وَلَكِنْ عِنْدَمَا فَحَصَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون الْقَمْحَ، وَجَدَ بَعْضًا مِنْ حَشَرَاتِ الْحِنْطَةِ؛ ثُمَّ عَرَفَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ بوب؛ لَقَدْ كَانَ يَلْتَقِطُ وَيَأْكُلُ تِلْكَ الْحَشَرَاتِ الْبَغِيضَةَ الصَّغِيرَةَ، وَعَلِمَ كَذَلِكَ لِمَ حَقْلُ الْقَمْحِ الْخَاصُّ بِهِمُ كَانَ الْأَفْضَلَ بَيْنَ كُلِّ مَا حَوْلَهُ عَلَى مَسَافَةِ أَمْيَالٍ عَدِيدَةٍ؛ لَقَدْ كَانَ بِسَبَبِ صَيْدِ بوب وايت وَعَائِلَتِهِ لِتِلْكَ الْحَشَرَاتِ وَالْتِهَامِهَا بِسُرْعَةٍ كُلَّمَا ظَهَرَتْ. |
|
قال: استويت للعشاء، وكنت شديد الجوع، وبي من الشهوة للطعام ما لا أجده في أكثر الأيام، وطعامي كما تعلم قل وكثر إنما يوضع بين يدي جملة لأصيب من أي ألوانه ما أشاء في أية لحظة أشاء، وما كدت أسمي الله وأحور يدي إلى الصفحة بأول لقمة حتى رأيت ذبابًا قد هوى إلى مهوى أصابعي من الصحفة، فذبيته فعاد لتوها إلى موضعه وجعل يلغ كما كان يلغ، فعدت إلى زجره فعاد كذلك، فأدرت الصحفة لأصيب مما لم يصب، فسرعان ما دنب إلى حيث أرسل يدي وأقبل من فوره على شأنه، ما دفع إلا رجع، ولا زجر إلا عاد، فلم يسعني إلا أن أرفع هذه الصحفة الملوثة الموبوءة، وأنحيها بعيدًا وأقرب غيرها، وعوضي على الله، على أنه لم يعفها ولم يعفني، فلقد هبط منها مهبطه من أختها، فأدرت الطبق كذلك فدار معه حتى استقر منه في منحدر يدي، وكان الغيظ قد بلغ في قصارى قصاراه، فأهويت بكفي عليه لأقتله وأخلص من لؤمه وأذاء، فتكسر الطبق شظايا وتناثر الطعام على الخوان، وأصاب وجهي وثوبي منه رشاش، أما الذباب فلم يكفه الإفلات من هذه الضربة الساحقة، بل لقد راح يمرع في هذا الذي تطاير على الخوان! فقمت عن المائدة وأنا أحلف بكل مؤثمة من الإيمان ألا أذوق في ليلتي أي طعام! |
|
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللهِ مِن وَاقٍ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ ۚ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ |
|
#### ذكر غير ذلك من الحوادث
فيها تُوفي بالخروبة الفقيه عيسى، وكان مع السلطان وهو من أعيان عسكره، وكان جنديًّا فقيهًا شجاعًا، وكان من أصحاب الشيخ أبي القاسم البرزي.
ثم دخلت سنة ست وثمانين وخمسمائة، وفيها رحل السلطان عن الخروبة، وعاد إلى قتال الإفرنج على عكا، وكان الإفرنج قد عملوا قرب سور عكا ثلاثة أبراج طول البرج ستون ذراعًا جاءوا بخشبها من جزائر البحر وعملوها طبقات وشحنوها بالسلاح والمقاتلة، وألبسوها جلود البقر والطين بالخل لئلا تعمل فيها النار، فتحيل المسلمون وأحرقوا البرج الأول، فاحترق بمن فيه من الرجال والسلاح، ثم أحرقوا الثاني والثالث، وانبسطت نفوس المسلمين بذلك بعد الكآبة، ووصلت إلى السلطان العساكر من البلاد، وبلغ المسلمين وصول ملك الألمان، وكان قد سار من بلاده وراء القسطنطينية بمائة ألف مقاتل، فاهتم المسلمون لذلك، وأيسوا من الشام بالكلية، فسلط الله — تعالى — على الألمان الغلاء والوباء، فهلك أكثرهم في الطريق، ولما وصل ملكهم إلى بلاد الأرمن نزل في نهر هناك يغتسل فغرق، وأقاموا ابنه مقامه، فرجع من عسكره طائفة إلى بلادهم، ولم يصل مع ابن ملك الألمان إلى الإفرنج الذين على عكا غير قدر ألف مقاتل، وكفى الله المسلمين شرهم، وبقي السلطان والإفرنج على عكا يتناوشون القتال إلى العشرين من جمادى الآخرة، فخرجت الإفرنج من خنادقهم بالفارس والراجل، وأزالوا الملك العادل عن موضعه، وكان معه عسكر مصر، فعطفت عليهم المسلمون، وقتلوا من الإفرنج خلقًا كثيرًا، فعادوا إلى خنادقهم، وحصل للسلطان مغص فانقطع في خيمته، ولولا ذلك لكانت الفيصلة، ولكن إذا أراد الله أمرًا فلا مرد له. |
|
تشجَّعْ أيها القلبُ المعنَّى
فقد بات الشتاءُ دُجَى يَطولُ
تحفُّ بكَ العواصفُ وهي ثكلى
ويفجعك التناوُحُ والعويل
تنوح على الفصولِ وقد توارتْ
بآلاءٍ لها تلك الفصول
كذلك أنت يا قلبي بعصفٍ
تزول الحادثاتُ ولا يزول
ومَنْ طُبِعَ الشَّجا فيه انطباعًا
أيَغْسِلُه الترنُّم والهديلُ؟
وقد غمر الأسى شتَّى المجالي
فغابَ البشْرُ والطبع الصقيل
كما هوتِ الثلوجُ على مُروج
فكُفِّنتِ الحُزونةُ والسُّهول
تشيم بها الحياةَ ولا حياةٌ
وتَلْقَى الدُّرَّ غايتهُ الوحول
كأن الأرضَ عمَّرها نفاقٌ
وأفسدَ نورَها نورٌ دخيل
تشجَّعْ واحتملْ يا قلب فردًا
فليس يدوم للعاني خليل
وليس بمخضعٍ للدَّهرِ حصنًا
سوى مَنْ لم يَرُعْهُ المستحيل |
|
وهربرت صمويل مؤلفًا يعد في نظري خليفة لغلادستون سياسيًّا وخطيبًا، فقد تقدم لوضع أساس للمبدأ الحزبي في غير تردد ولا تلكؤ، وعندنا أن كتابه يعد نبراسًا لكل سياسي شرقي يريد الوقوف على سياسة الإنجليز الاستعمارية، فهو يؤكد أن الإمبريالزم والليبرالزم مبدأ واحد وأنهما ينطويان على القواعد الآتية:
* أولًا: شدة اليقين في الدفاع عن المستعمرات.
* ثانيًا: عاطفة الارتباط والتوحيد بين الأحرار والمستعمِرين (أي المقيمين في المستعمرات).
* ثالثًا: العمل على تقديم الإمبراطورية بدون الإضرار بالغير على قدر الإمكان. والمقصود بالغير هنا الأمم المغلوبة أو المحكومة من الأجناس الأجنبية.
* رابعًا: التوسع في التجارة الإنجليزية وإيجاد أسواق لها بدون إهلاك متاجر الأمم المحكومة.
* خامسًا: عدم المساس بحقوق الجيران من الدول الأوروبية لاتقاء الحروب التي تؤدي إلى زعزعة أركان الإمبراطورية.
* سادسًا: اتقاء الفتوحات التي فيها إهراق الدماء وتكبد المتاعب، إلا إذا كان في تلك الفتوح نفع مؤكد.
* سابعًا: استعداد الأحرار والإمبريالست لقبول كل رأي فيه نصيحة الإصلاح يساعد على تقوية الإمبراطورية وخلاصها من الشوائب وأوجه الضعف. |
|
لذلك نقد القرآن النفاق نقدًا شديدًا. النفاق مرض في القلب إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وهو كذب مغلف وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، وهو فسق أي خروج العمل عن النية الصادقة إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، وهو خداع للنفس ولله إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ. يظن المنافق أن نفاقه غير مرئي وهو ظاهر للعيان يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ. النفاق سلوك الأعراب والبدو الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا. يتذرعون بحجج كاذبة لعدم الجهاد وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ؛ لذلك حض القرآن على قتالهم ومساواة النفاق بالكفر يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ. وجهاد المنافقين دحض النفاق وكشف الباطن وراء الظاهر، وإيثار لحظات الصدق مع النفس والاختيار الحر، والشجاعة الأدبية كما كان الحق على لسان عمر وقلبه. لا يحتاج الإنسان للشرعية المزيفة ليكسب أفعاله غطاءً دينيًّا. يكفيه الاقتناع الذاتي بحسن الفعل وبالتالي تتحقق وحدة الشخصية الإنسانية، ويتوحد السلوك الإنساني، ويكون الإنسان حينئذٍ جديرًا بالتوحيد. |
|
وفي الطلاق وردت الآيات: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ. |
|
وللطهطاوي فصلٌ خاصٌّ في الكُتب التي طالعها في باريس، وأكثرها يرقى إلى القرن الثامن عشر، وتأخذ بأسباب التفكير المبني على أحكام العقل. وفيما يلي نص كلام الطهطاوي عن مطالعاته:
قرأتُ كثيرًا من كُتُب الأدب؛ فمنها … عدةَ مواضيعَ من ديوان ولتير … وديوان روسو، خصوصًا مراسلاته الفارسية التي يُعرف بها الفرق بين آداب الإفرنج والعجم، وهي أشبه بميزانٍ بين الآداب المغربية والمشرقية١٥ … وقرأتُ في الحقوق الطبيعية، مع مُعلِّمها، كتاب برلماكي وترجمتُه وفهِمتُه فهمًا جيدًا. وهذا الفن عبارةٌ عن التحسين والتقبيح العقليَّين يجعله الإفرنج أساسًا لأحكامهم السياسية المُسمَّاة عندهم شرعية. وقرأتُ أيضًا مع مسيو شواليه جزأَين من كتابٍ يُسمَّى روح الشرائع، مؤلِّفُه شهير بين الفرنساوية يُقال له مونتسكيو، وهو أشبه بميزانٍ بين المذاهب الشرعية والسياسية ومبنيٌّ على التحسين والتقبيح العقليَّين. ويُلقَّب عندهم مونتسكيو ﺑ «ابن خلدون الإفرنجي». كما أن ابن خلدون يُقال له عندهم أيضًا مونتسكيو الشرق؛ أي مونتسكيو الإسلام. وقرأتُ أيضًا في هذا المعنى كتابًا يسمى عقد التأنُّس والاجتماع الإنساني، مُؤلِّفه يُقال له روسو، وهو عظيم في معناه … وقرأت عدةَ محالَّ نفيسةٍ في مُعجَم الفلسفة للخواجة ولتير وعدةَ محالَّ في كُتُب فلسفة قندلياق Condillac. |
|
وَكَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ جَعَلَ لِمَنْ أَتَاهُ بِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفَيمَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ سَائِرًا فِي الطَّرِيقِ رَأَى زُقَاقًا فَمَشَى فِيهِ، فَوَجَدَهُ غَيْرَ نَافِذٍ، فَقَالَ: إِنْ رَجَعْتُ يَرْتَابُ النَّاسُ فِي أَمْرِي، وَالشَّارِعُ غَيْرُ نَافِذٍ، فَمَا الْحِيلَةُ؟! |
|
* «اِللِّي يْعِيشْ يشُوفْ كِتِيرْ، قَالْ: واِللِّي يِمْشِي يُشُوفْ أَكْتَرْ» المراد: الضارب في الأرض يرى ما لا يراه المُعَمَّرُ القَاعِد. وقد نَظَمَه بعضهم في مطلع زجل فقال:٧٠
من بعد ما أحمد واشكر
مَنْ أَبْدَع الأشيا وصوَّرْ
واذكر صلاتي ع الهادِي
طه الشفيع يوم المَحْشَرْ
أحكي على اللِّي قاسيتُهْ
وفي الأزلْ كَانْ لي مقدَّرْ
واللِّي يعيش يا ما بيشوفْ
قالِ اللِّي يِمْشِي يشوفْ أَكْتَرْ
ونَظَمَه أيضًا صاحبنا محمد أكمل أفندي المُتَوَفَّى سنة ١٣٢١ﻫ في زجل نظمه لمَّا حل الوباءُ بمصر سنة ١٣٢٠ﻫ يقول في مطلعه:
إِصْغِي لِقُولِي اعْمِلْ معروفْ
دا قُولِي أَحْلَى مِ السُّكَّرْ
واللِّي يعيش يا ما بِيْشُوفْ
واللِّي بِيِمْشِي يشُوفْ أَكْتَرْ |
|
وبعد قليل قال ثورندايك متعجبًا: «يا إلهي! إن اللغز يزداد تعقيدًا. هناك زجاج أكثر من المتوقع، ومع ذلك فهو أقل من الكافي؛ أعني أن شظية أو اثنتين فقط من شظايا الزجاج مصدرهما عدستَا النظارة لا يكفيان لإكمال تكوين العدسات. أما الباقي فيتألَّف من زجاج ناعم وغيرِ متساوٍ ومقولب، يسهل تمييزُه عن زجاج العدستين الشفاف الصلب. كلُّ قطع الزجاج الدخيلة هذه مقوسة، كما لو أنها كانت جزءًا من أسطوانة، أو بالأحرى كأس أو قدح للنبيذ.» وهنا حرَّك الشريحة مرةً أو مرتين، ثم واصل حديثه: «نحن محظوظون يا جيرفيز. ثمة قطعة زجاجية منقوش عليها خطان منفرجان، يبدو أنهما نقاطُ التفرع لنجمة ثُمانية، وها هي قطعة أخرى بها ثلاث نقاط. وهذا يمكِّنُنا من إعادة تشكيل الوعاء بالكامل. لقد كان كوبًا شفافًا رفيعًا، أو ربما كأسًا مزينة بنجوم متناثرة. أستطيع القول إنك تعرف هذا النقش. في بعض الأحيان يُنقش عليه شريط زخرفي بالإضافة إلى النجوم، ولكنه يزخرف بالنجوم فقط في الغالب. ألقِ نظرة على العينة.» |
|
روى الشيباني عن الهيثم عن ابن عبَّاس، قال: كنا عند عبد الملك بن مروان، إذ أتاه كتاب الحجَّاج يُعظِّم فيه أمر الخلافة، ويزعم أنْ ما قامت السموات والأرض إلا بها، وأن الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقرَّبين والأنبياء المرسلين؛ وذلك أن الله خلق آدم بيده، وأسجد له الملائكة، وأسكنه جنته، ثم أهبطه إلى الأرض وجعله خليفته، وجعل الملائكة رسلًا إليه. فأُعجب عبد الملك بذلك وقال: لَوددتُ أن عندي بعض الخوارج فأُخاصمه بهذا الكتاب. فانصرف رجالٌ من جُلساء عبد الملك إلى منزله، فجلس مع ضيفانه وحدَّثهم الحديث، فقال له حوار بن زيد الضبِّي وكان هاربًا من الحجَّاج: توثَّق لي منه ثم أعلمني به. فذكَر الرجل ذلك لعبد الملك بن مروان، فقال الخليفة: هو آمن على كلِّ ما يخاف. فانصرف الرجل إلى حوارٍ فأخبره بذلك، فقال: بالغداة إن شاء الله. فلما أصبح حوار اغتسل ولبس ثَوبَين ثم تحنَّط وحضر باب عبد الملك، فقال الخليفة: أَدخِله يا غلام. فدخل رجلٌ عليه ثيابٌ بِيض يُوجد عليه ريح الحنوط، ثم قال: السلام عليكم! ثم جلس، فقال عبد الملك: ائتِ بكتاب أبي محمد يا غلام. فأتاه به، فقال: اقرأ. فقرأ حتى أتى على آخره. فقال حوار: أراه قد جعلَكَ في موضعٍ مَلَكًا (ملاكًا)، وفي موضعٍ نبيًّا، وفي موضعٍ خليفةً، فإن كنت مَلَكًا فمن أنزلك؟ وإن كنت نبيًّا فمن أرسلك؟ وإن كنت خليفةً فمن استَخلفَك؟ عن مشورةٍ من المسلمِين أمِ ابتززتَ الناسَ أمورَهم بالسيف؟ فقال عبد الملك: قد أمَّناك ولا سبيل إليك، والله لا تجاورني في بلدٍ أبدًا، فارحل حيث شئت. قال: فإني قد اخترت مصر. فلم يزل بها حتى مات عبد الملك (العقد الفريد، جزء ٣). |
|
والمعلوم أن الإسلام قد بدأ مع مسلمين أقلية فانحاز للأقلية مبكرًا، ودعمها وخصَّها بالخير وذم الأكثرية ودمغها بالشر؛ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ (الأنعام: ١١٦)، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ (الأنفال: ١٩)، قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ (المائدة: ١٠٠)، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا (التوبة: ٢٥)، مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (المائدة: ٦٦)، وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: ٧٠)، وَقَالَا الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (النمل: ١٥)، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد: ٢٦)، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (المائدة: ٣٢)، وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: ٦٢)، وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ (الأنعام: ١١٩)، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (الأعراف: ١٧٩)، إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (التوبة: ٣٤)، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (يونس: ٩٢)، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (الروم: ٨)، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ (البقرة: ٢٤٩)، إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (البقرة: ٢٤٣)، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (الرعد: ١)، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (الإسراء: ٨٩)، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم: ٣٠)، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (المائدة: ٥٩)، نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (البقرة: ١٠٠)، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران: ١١٠) … |
|
من أجل إجراء عملية ضرب الاحتمالات ببساطة، كما فعلنا، علينا أن نتأكَّد من أنها غير متلازمة (والتلازم يعني أنه إذا حدث شيء، فإنه يؤثِّر على احتمالية حدوثِ آخَر)؛ وإلا فسيكون من الخطأ افتراض أن الأحداث تحدث بشكل مستقل. وقد أظهرت دراسات متعدِّدة، على رياضات متعدِّدة، أن غياب التلازم هو القاعدة أكثر منه الاستثناء. والسبب في ذلك واضح في البيسبول؛ إذ تتألف مباراة البيسبول بشكل عام من سلسلة من المواجهات بين ضارب ورامٍ، بخروج أو دون خروج مسبق لِلَّاعبين، وفي وجود أو عدم وجود لاعبين على القاعدة، ولكنها مواجهات متكرِّرة على مدار المباراة. فلِمَ ينبغي ألَّا تكون هناك إحصائيات ذات صلة؟ إن الهوكي وكرة القدم وكرة السلة هي سلاسل متعاقبة من الهجمات عبر الجليد أو المضمار أو الملعب، كلٌّ منها مستقلة عن سابقتها، فلماذا إذن لا ينبغي جمع إحصائيات عنها؟ إن موسم البيسبول عبارة عن سلسلة من المواجهات بين نفس الفرق تتكرر مرارًا ومرارًا عبر معظم أوقات العام الواحد، وهي مواجهات متكرِّرة بقدر ما يمكن للمرء أن يتخيَّل. بالطبع تختلف كلُّ مباراة عن الأخرى، ولكنها أيضًا متماثِلة من منظور أعلى، وبإمكان المرء فعليًّا أن يتحرَّى عمَّا إذا كان من المُجدي، «في المتوسط»، توجيه الضربة إلى داخل الملعب. (ليس مُجديًا.) |
|
ودخلت الباخرة الميناء والسَّفْر لا يزالون نيامًا، فلما علونا سطحها قابلتنا البواخر الكثيرة متراصة متزاحمة، وفاجأت نظرنا مباني الميناء، فأخرجنا ذلك من طمأنينة السكينة إلى حلبة ما كان أحلى الفرار منها والبعد عنها! ورست السفينة فإذا المستقبلون من أجناس مختلفة يتحدثون بلهجات ولغات مختلفة، ويقصون من أخبار تجارة الحياة ما ينسي التفكير في وحدة الوجود، ويعيد الذهن إلى نطاق ضيق من التفكير في الإنسانية أممًا وأفرادًا تتنافس وتتباغض ويفني بعضها بعضًا، ثم انحدرنا إلى جنوا وأقمنا بها يومين لقينا فيهما من لهيب القيظ ما وددنا معه لو أنَّا أقمنا على ظهر الباخرة حتى «سوذامبتن» أو «رتردام» أو «هامبور»، لكنا لقينا في جنوا أنيسًا أنسانا ظرفه قيظها حتى حين حديثه عن قيظها، ولقينا فيها صورة أخرى من صور وحدة الوجود أشد للنفس أخذًا من كل ما أجاله البحر في ذهني من خواطر. وإذ انقطع رجاؤنا في أن نجد بإيطاليا غير القيظ المحرق، فقد تركناها بعد هذين اليومين إلى سويسرا، آملين أن نجد في جوها وفي جبالها وفي جمالها ما يعيد إلى النفس السكينة التي عرفت أيام سفر البحر، والتي نسيت في جنوا من شدة القيظ الذي زاد في رطوبته وثقله على قيظ مصر. |
|
قَسَمًا بِلِينِ قَوَامِكَ الْمَيَّاسِ
إِنِّي لَنَارُ الْهَجْرِ مِنْكَ أُقَاسِي
فَارْحَمْ حَشًا بِلَظَى هَوَاكَ تَسَعَّرَتْ
يَا بَدْرُ تِمٍّ فِي دُجَى الْأَغْلَاسِ
أَنْعِمْ بِوَصْلِكَ لِي فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ
أَجْلُو جَمَالَكَ فِي ضِيَاءِ الْكَاسِ
مَا بَيْنَ وَرْدٍ نُوِّعَتْ أَلْوَانُهُ
وَزَهَتْ مَحَاسِنُهُ خَلَالَ الْآسِ |
|
#### هليوبوليس
وُجدت في «تل الحصن» قطع نُقش عليها اسم «إخناتون»، وهي محفوظة الآن بمتحف «جلاسجو» بأسكتلندا (راجع Petrie, “Heliopolis”, Pl. VIII). ومن آثار هذا الفرعون التي وُجدت في «هليوبوليس» كذلك لوحة مُثل عليها هو وأسرته يتعبدون لقرص الشمس (آتون). فتشاهد أعضاء الأسرة المالكة راكعين أمام مائدة قربان أُرسلت عليها أشعة «آتون» التي ينتهي كل واحد منها بيد بشرية، وهذا الوضع (الركوع) ليس بالعادي؛ إذ في الغالب ترى الأسرة المالكة يتعبدون لقرص الشمس وهم واقفون أمام مائدة القربان. وهذه اللوحة قد اغتصبها لنفسه كاهن معبد «رع» الأكبر المسمى «بارع محب»، وقد عاصر الفرعون «حور محب»؛ فنجده قد استعمل ظهر اللوحة الخالي من النقوش ودوَّن عليه رسومه ونقوشه؛ فعلى الجزء الأعلى الفرعون «حور محب» يعبد كلًّا من الإله «آتوم» والإلهة «حتحور»، وعلى الجزء الأسفل نشاهد «بارع محب» ممثلًا مرتين، وكذلك نشاهد صورتين للإله آتوم. (راجع Lacau, “Steles du Nouvel Empire”, Pl. LXV).
وقد وُجدت كذلك في هذه الجهة قطعة من الجرانيت الأحمر عليها اسم «مريت آتون» بنت «إخناتون»، وكذلك أُشير عليها إلى مبانٍ للإله «رع» في «إيون» أي «هليوبوليس» (راجع A. Z. XIX p. 116; Rec. Trav. VI, p. 53).
ويقول «ويجول» إن «إخناتون» قد أقام معبدًا في «عين شمس» يُسمَّى «سرور رع في هليوبوليس»، وكذلك أقام لنفسه قصرًا هناك Weigall, “Life & Times of Akhenaton”, p. 166. |
|
مُعَلِّمَةَ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ يَعْلَمُ
وَقَائِلَةً مَا لَا يَبُوحُ بِهِ الْفَمُ
وَكَامِنَةً بَيْنَ النُّفُوسِ بَدَاهَةً
وَمَا عُلِّمَتْ فِي مَهْدِهَا مَا التَّكَلُّمُ
وَمُخْرِجَةَ الْأَوْهَامِ مِن ظُلُمَاتِهَا
عَلَى أَنَّهَا مِن سَطْوَةِ النُّورِ تُحْجِمُ
وَمُسْمِعَةَ الْإِنْسَانِ أَشْجَانَ نَفْسِهِ
فَيُطْرِبُهُ تَرْجِيعُهَا وَهْيَ تُؤْلِمُ
أَعِيدِي عَلَيَّ الْقَوْلَ أُنْصِتْ وَأَسْتَمِعْ
حَدِيثًا لَهُ فِي نَوْطَةِ الْقَلْبِ مَيسَمُ
حَدِيثًا يُنَاغِينِي وَأَذْكُرُ أَنَّنِي
تَسَمَّعْتُهُ وَالْقَلْبُ وَسْنَانُ يَحْلُمُ
وَأُوغِلُ بِالذِّكْرَى فَأَزْعُمُ أَنَّهُ
قَدِيمٌ كَعَهْدِ الْقَلْبِ أَوْ هُوَ أَقْدَمُ
وَيَا لَيْتَنِي أَدْرِي أَنَفْسٌ سَحِيقَةٌ
تُنَادِينَ مِنْهَا أَمْ فُؤَادِي الْمُكَلَّمُ
كَأَنَّ لَنَا نَفْسَيْنِ؛ نَفْسٌ قَرِيبَةٌ
وَأُخْرَى عَلَى بُعْدِ الْمَزَارِ تُسَلِّمُ |
|
أَنْتِ حُلْمٌ مُنَوَّرٌ ذَهَبِيٌّ
طَافَ فِي أُفْقِ عَالَمٍ مَسْحُورِ
وَتَجَلَّى عَلَى غَيَاهِبِ رُوحِي
بِجَنَاحٍ مِنَ الضِّيَاءِ الْبَشِيرِ
أَنْتَ ظِلٌّ مُقَدَّسٌ، أَنْتِ كَهْفٌ
طَائِفِيٌّ فِي رَبْوَةِ الْأَحْلَامِ
غَمَرَ الرُّوحَ — فِي سَكِينَتِهَا السِّحْـ
ـرَ فَتَاهَتْ فِي عَالَمِ الْآلَامِ |
|
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ |
|
كان لأبي عبد الله آخر رؤساء الكرمانية التصرُّف المطلق في المتعصبين لمذهبه، فنهج نهجه رجل يسمى حسن الصباح، سافر كثيرًا وتبحر في العلوم وعرف فِرَقَ الدين المحمدي، وأخذ في غاية القرن الحادي عشر من الميلاد يعظ الناس، ويحثهم على اتباع مذهب جديد يغلب على الظن أنه قريب من مذهب الكرمانية، فتبعه جموع ملك بهم عدة قلاع وحصون، واستوطن حصن الموت المشيد على هضبة قرب قزوين فلقب بشيخ الجبل، وأعلن بالعداوة للنصارى والمسلمين، ورأى نفسه بينهم بمنزلة الإله الثاني الذي شغله الاقتصاص من الظالمين للمظلومين، ونُفِّذَتْ أوامره فيمن معه، فكان إذا أمر بقتل أحد منهم بادر بإلقاء نفسه من شاهق جبل على أَسِنَّةِ الرماح أو طعن بطنه بخنجر، أو بقتل أحد من غيرهم بادروا بقتله ولو وزيرًا أو سلطانًا أو خليفة عباسيًّا، أخبر قومه أن شارب الحشيش يذوق جميع لذات الفردوس، فكانوا كالبهائم بسبب السُّكْر بالحشيش مستعدين لارتكاب أكبر الكبائر؛ ولذا سماهم المؤرخون بالحشاشين لا بالحساسين؛ أي القَتَّالين كما زعم الفرنج، وأذن لهم في النهب فنهبوا وجالوا بأسلحتهم في الشام حتى بلغوا جبل لبنان، وبَنَوْا في الشام أماكن محصنة ونهبوا جميع القوافل التي تمر بأرضهم وقطعوا الطرق، وملكوا في غرة القرن الثالث عشر من الميلاد كثيرًا من المنازل في العراق والشام وحصونًا أخرى قرب دمشق وحلب، وتوطنوا من ابتداء سنة إحدى وستين ومائة وألف ميلادية بالعراق الفارسي، فبذل الملكشاه عزائمه في إعدامهم ولم يبالوا بذلك، بل يقال إن نظام الملك الذي كان الوزير الأعظم لهذا السلطان قتله أحدهم لشدة تعصُّبه وغَيْرَتِه على مذهبه الديني، وكان هؤلاء الحشاشون مع الفاطمية كحزب واحد لشدة مخاصمتهم وإدمان مشاجرتهم مع أهل السُّنَّة. |
|
#### عذراء بختن The Maiden of Bekhten
ذاك «رمسيسُ» والوُفودُ حواليْهِ بأشهى الحُليِّ والعُبدانِ
والأغاني تَسيلُ في لهفِ العيدانِ حينًا وفي حنينِ الغواني
زِنَّ منه اليمينَ في جِلسةِ الفنِّ كما زَانَ مَطمحَ الفنّانِ
وعُيونُ الأتباعِ في شَرفِ المُلكِ تَباهَوْا بين الهدايا الحِسَانِ
وضِخَامُ المرَاوِحِ الجمَّةِ الوشيِ تَزُفُّ النسيمَ قبلَ الأوانِ
ونقوشُ البَهْوِ البهيَّةُ ألوانٌ تُحاكي الربيعَ في الطيْلسانِ
والهدايا تَختالُ مِنْ كلِّ رُكنٍ يَتسامى وكلِّ رُكنٍ يُداني
والمليكُ العزيزُ ينظرُها شَزْرًا وإنْ حُمِّلَتْ فُنونَ المعاني
ما يُبَالي بها وإنْ أكْبَرَتْها تُحَفٌ للجمال مِلْءُ الزَّمَانِ
حِينَ حُكامهُ تفانَوْا بما أهْدَوْا وجازُوا به حُدُودَ التَّفَاني
ثم لاحتْ «عذراءُ بِخْتِنَ» في الشَّفِّ فكانت حُوريَّةَ المِهْرَجان
هي أشْهَى ما يَستطيع أبوها مِنْ هدايا تَبُزُّ سِحْرَ البيان
فتخلَّى رمسيسُ عن عرشهِ الفخمِ إليها والعرشُ في الزهوِ رانِ
جذبَتْهُ إلى صِباهَا وكانتْ آيةَ المُلْكِ والمُنَى في ثوانِ!
جَلَّ مَجْدُ الجمالِ، فالمجدُ في الدنيا فناءٌ ومجدُهُ غيرُ فانِ
ورموزُ الأربابِ شتَّى ولكنْ هو رمزُ الموحَّدِ الديَّانِ |
|
وليس القسم الأسفل من وجه الفلاح ناتئًا كما عند العروق الأفريقية الأخرى. وجسم الفلاح مما يقاوم الآلةَ، ولا بدَّ من انقضاء قرون حتى توافق روحُه على تغيير عادةٍ. والفلاح فقيرٌ منذ عهد الفراعنة، والفلاح المصري كالفلاح الروسيِّ القديم ما بَلَغَ عددُ الفلاحين بمصرَ اثني عشرَ مليونًا من أربعةَ عشرَ مليونًا. ولِمَ ظلَّ المصريُّ فقيرًا؟ هو غير كسول، هو غير غبيٍّ، هو ذكيٌّ شَغَّالٌ ما دام شابًّا على الأقل، هو قد أُمسِك في بحرٍ من الجهل، هو لم يُبْدَأْ بالعناية بتربيته إلا في وقتٍ حديثٍ جدًّا، هو قد يكون حسودًا خرافيًّا، ولكن مع طيبةِ قلبٍ، ولم يَجْعَل ضِيقُ منزله منه رجلًا عِربِيدًا، وقد حافظ مع القرون على حسن مَعشَره، ويبدو عنيفًا من غير حقدٍ، فإذا قَتَلَ جارًا له لاختلاسه منه بضعَ بصلاتٍ بكاه مخلصًا. |
|
(١٠٠) أراد بالغيث: إنعامه عليهم. والبوارق: جمع بارق، وهو السحاب فيه برق. وقوله: سقى غيره؛ أي سقاهم كأس الموت في غير بوارق الغيث؛ يعني في بوارق السيوف. والمعنى: لما أمطر عليهم الخير والجود وكفروا به أمطر عليهم العذاب؛ لأنه أتاهم من عسكره في مثل السحائب البارقة، فكانت ضد السحائب التي أحسن إليهم بها فكفروها. وفي مثل هذا يقول البحتري:
لَقَدْ نَشَأَتْ بِالشَّامِ مِنْكَ سَحَابَةٌ
تُؤَمَّلُ جَدْوَاهَا وَيُخْشَى دَمَارُهَا
فَإِنْ سَأَلُوا كَانَتْ غَمَامَةَ وَابِلٍ
وَغَيْثًا وَإِلَّا فَالدَّمَارُ قِطارُهَا |
|
إذن فما هو السر في نفوذه وقوته على الملايين من سكان الأرض، وانجذابهم إليه؟ واقترح نيل Neill أن ماركس هو القائد الرمزي لمن لا يملكون شيئًا في نضالهم ضد من يملكون، ويعتقد بارزون أن «قوة ماركس هي بالضبط في أنه شارك المغبونين مشاعرهم. وإن تعصب المساواة لَيكمن في أعماق كبده، يرتبط به الطموح والغيرة من السلطة وكلاهما على استعدادٍ لتحطيم النظام الأخلاقي الحاضر باسم نظامٍ أسمى يراه هو.» ويأتي تفسيرٌ آخر من هارولد لاسكي: «العاطفة الرئيسية الكامنة في أعماق نفسه، والتي تحركه، هي شغفه بالعدالة. ربما يكون قد مقت بشدة، ولكنه كان غيورًا وكان فخورًا. ولكن المحرك الرئيسي لحياته هو أن يرفع عن كواهل الناس ذلك العبء الذي ظلمهم.» ويأتي تقدير تفهمي آخر من فريهوف؛ إذ كتب يقول: «إن هدية كارل ماركس الإنشائية العظمى إلى المجتمع الحديث، سواء أكان اشتراكيًّا أو رأسماليًّا، على حد سواء، هي صورة ضرورة وجود مجتمع ينعدم فيه الفقر والمعاناة. صار هذا المثل الأعلى تحديًا لكل نظام اجتماعي، وحتى أي نظام اجتماعي، مثل نظامنا، الذي ينبذ نظرياته الاقتصادية، لا بد أن يقبل ذلك المثل الأعلى بطريقته الخاصة. وهكذا، فإن ذلك الرجل الذي عاش هو نفسه فقيرًا، قد وهب العالم أملًا في انعدام الفقر تمامًا. هذا هو إنجاز كارل ماركس، وهذه هي الطريقة التي غيَّر بها عقلية العالم الحديث.» |
|
شرميون، اهدَئي فما أنت إلا
مَلَكٌ صيغ من حنان وبرِّ
أنت لي خادمٌ ولكن كأنا
في المُلمَّات أهلُ قًرْبى وصهر
إنما الخادمُ الوفيُّ من الأهـ
ـل وأدنى في حال عسر ويسر
اسمعي الآن كيف كانَ بلائي
وانظري كيف في الشدائد صبري
أيها السادةُ اسمعوا خَبَرَ الحر
ب وأمرَ القتال فيها وأمري
واقتحامي العُبابَ والبحرُ يَطغى
والجَواري به على الدَّم تَجري
بين أنطونيو وأكتافَ يومٌ
عبقريٌّ يسيرُ في كل عصر
أخذتْ فيه كلُّ ذات شراع
أُهبةَ الحرب واستعدَّتْ لشر
لا ترى في المجال غيرَ سَبُوح
مقبل مدبر مكَر مفرِّ
وترى الفُلك في مُطاردة الفُلـ
ـك كنَسر أراد شرًّا بنسر
وتخال الدُّخانَ في جَنَبات الـ
ـجو جُنحًا من ظلمة الليل يسري
ودَويَّ الرياح في كل لجٍّ
هَزَجَ الرَّعْد أو صيَاحَ الهَزْبر
وترى الماء منه عودُ سرير
لغريق، ومنهُ أَحْناءُ قبر
يغسلُ الجُرحَ شَرَّ مَن غَسل الجر
حَ ويأسو من الحياة ويُبري
كنت في مركبي وبين جنودي
أَزنُ الحربَ والأمور بفكري
قلت روما تصدَّعت فترى شَطـ
ـرًا من القوم في عداوة شطر
بَطَلاها تقاسَما الفُلكَ والجيـ
ـشَ وشبَّا الوغى ببحر وبرِّ
وإذا فرَّقَ الرُّعاة اختلافٌ
علَّموا هاربَ الذئاب التَّجَرِّي
فتأملتُ حالتيَّ مَليًّا
وتدبرت أمر صحوي وسكري
وتبينتُ أن روما إذا زا
لت عن البحر لم يَسُد فيه غيري
كنت في عاصف، سللتُ شراعي
منه فانسلَّت البوارجُ إثري
خلصت من رَحى القتال وممَّا
يلحق السُّفْن من دمار وأسْر
فنسيتُ الهوى ونُصرة أنطنـ
ـيوسَ حتى غدرتُه شرَّ غدر
علمَ الله قد خذلتُ حبيبي
وأبا صبيتي وعوني وذُخري
والذي ضيَّع العروشَ وضحَّى
في سبيلي بألف قُطْر وقطر
موقفٌ يُعجب العلا كنتُ فيه
بنتَ مصرٍ وكنتُ مَلكَة مصرَ |
|
قلتُ ضاحكًا: ألعلَّك قرأت هذه القصة الإنجليزية التي كَتَبَهَا أوسكار ويلد وسمَّاها: صورة دوريان جري؛ فإن فيها ما يُشْبه قصتك من بعض الوجوه. قال: فإنك تعلم أني لا أقرأ الإنجليزية ولا أقرأ لغة أوروبية، ولا أعرف أن هذه القصة قد نُقِلَتْ إلى العربية. قُلْتُ: أوَلَمْ يتحدَّث إليك قط متحدِّث عن هذا الكتاب وكاتبه؟ قال: سَمِعْتُ أطرافًا من الحديث عن أوسكار ويلد، ولكن لم أَسْمَع عن هذا الكتاب مِنْ كُتُبِه قليلًا ولا كثيرًا، فحدِّثني أنت عن هذا الكتاب. قُلْتُ: لقد قَرَأْتُه منذ زمن بعيد، وأَذْكُر أنه يَعْرِض على قُرَّائه قصة فتًى حَسَنٍ رائع الحُسن، جميل بارع الجمال، اتخذ له صديقٌ مُصوِّر صورة تطابِقُ شَكْلَه جمالًا وروعة، وقد اقْتَرَفَ هذا الفتى في مُسْتَقْبِل أيامه سيئات كثيرة، واجْتَرَحَ آثامًا مختلفة، فبغُضَتْ إليه نَفْسُه أشد البُغض، وقبُحَتْ صورته المصنوعة في عينه أَشْنَع القبيح، فنفاها من حجرات داره وغرفاته إلى حيثُ يُنْفَى سَقَطُ المتاع. ولكنه كان يُلِمُّ بها من حينٍ إلى حين تزيُّدًا مِنْ بُغْضِه لها وسخطه عليها، واستعذابًا لهذا السخط وذلك البُغض. |
|
قَالَ الْعَمُّ بيلي لِنَفْسِهِ وَهُوَ يُشَاهِدُ الظَّرِبَانَ جيمي يَتَهَادَى مُبْتَعِدًا فِي الطَّرِيقِ الصَّغِيرِ الْمُنْعَزِلِ: «لَدَيَّ شُعُورٌ قَوِيٌّ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ هَذَا الْبَيْضِ. حَقًّا، لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ ثَمَّةَ فَائِدَةٌ مِنَ الْبَحْثِ عَنْهُ؛ لَقَدْ بَحَثْتُ فِي كُلِّ مَكَانٍ خَطَرَ عَلَى بَالِي بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّنِي لَا أَسْتَطِيعُ التَّفْكِيرَ فِي أَيِّ طَعَامٍ طَيِّبٍ، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْضُ شَهِيًّا بِالتَّأْكِيدِ. أَعْتَقِدُ أَنَّنِي فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى هَذَا الْبَيْضِ، وَإِلَّا مَا ظَلِلْتُ أُفَكِّرُ فِيهِ كَثِيرًا هَكَذَا. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنَ الْمُؤْلِمِ أَنْ أَحْمِلَ الْبَيْضَ فِي عَقْلِي طَوَالَ الْوَقْتِ، لَكِنِّي سَأَسْتَمْتِعُ أَكْثَرَ بِحَمْلِهِ فِي مَعِدَتِي، وَهَذَا أَكِيدٌ.» ابْتَسَمَ الْعَمُّ بيلي وَبَدَأَ يَتَسَكَّعُ فِي الْأَنْحَاءِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، آمِلًا فِي أَنْ تَقُودَهُ الصُّدْفَةُ إِلَى عُشِّ السَّيِّدَةِ طيهوجة. |
|
* (٤)
وهناك هذه المسألة، وهي فيمن له حق استعمال رخصة السفر والإفادة منها في قصر الصلاة وفي الفطر إذا كان صائمًا؛ أهو المسافر في طاعة أو في معصية، أو الأول فقط؟
يرى أبو حنيفة وأصحابه أن المطيع والعاصي في رخصة السفر سواء. ويرى الشافعي هذه الرخصة لا تكون للمسافر في معصية، كمن سافر لقطع الطريق مثلًا.
وحجة أبي حنيفة النصوص المطلقة في هذا؛ أي التي لا تُفرق في الرخصة بين سفر المطيع وسفر العاصي؛ وهي قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ وقوله ﷺ: «فرض المسافر ركعتان.»
ومن ناحية أخرى، فإن الله لطيف بعباده جميعًا، حتى إنه ليُمتِّع الكافر بكثير من طيبات هذه الحياة، فكيف يمنع الفاسقَ المسافر لمعصية هذه الرخصة؛ وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب أن يُؤتى برُخَصه كما يجب أن يؤتى بعزائمه، وهذه صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.» |
|
قلت للمؤلف، وقد ربض بما يزيد عن المائة وعشرة كيلو من جسده على كرسي، يهتز من تحته، ويصيح: حدثني عن حياتك من يوم أن بكيت لأول مرة إلى هذه الثانية، التي أراك بها باسمًا ﺑ «نخب العدو» فخورًا. أجاب: يؤلمني أن تكون الأيام قد اضطهدتني إلى حد أنني أحتاج أن أحدث الناس عن نفسي، بدلًا من أن يتولى ذلك عني المؤرخون. قلت: خلِّ عنك المرارة، ولا تصقعن قرائي بخيلائك، فأنا محسن إليك إذ أسألك أن تتحدث عن نفسك، فليس في الدنيا من لا يجيد التحدث عن نفسه ويستطيبه، وعد بي إلى الخامس عشر من أيار سنة ١٩٠٤، وأعلمني ما الذي حدا في ذلك الأحد بأهل «بعقلين» إلى الحِداء؟ وما بال دويِّ البارود يهين القانون؟ ولأي جليل أمر هزجت الرجال، وزغردت النساء في فجر ذلك اليوم؟ قال: نبذت سائر الدنيا، وتخيرت بعقلين، الشوف، لبنان، بلدة أُسقط بها رأسي، ولو أُعْطِيَ لي أن أتقمص ألف مرة، لما نزلت إلا بعقلين دار مولد. |
|
لذلك بدأ الفرنسيون منذ أواسط عام ١٩٤١ يتقنون أساليب المقاومة الإيجابية. ولما كان النازيون يعتمدون على العمال الفرنسيين في المصانع الفرنسية لإنتاج آلات الحرب، فقد وجد الفرنسيون مجالًا واسعًا «للتخريب» و«الإبطاء» في المصانع، ومن ذلك الحين كشف الألمان أن الطائرات التي تخرجها المصانع الفرنسية لا تصلح للملاحة الجوية، وأن كثيرين من طياريهم يفقدون الحياة عند محاولة اختبارها قبل إرسالها إلى ميدان القتال، كما كشفوا أن «خرطوش» البنادق والمدافع المرسل من المصانع الفرنسية يصل في الغالب خاليًا من المواد المفرقعة. وفي مرسيليا وجد الألمان أن جزءًا كبيرًا من الأغذية المعدة لتموين الجيش الأفريقي يتلف ويعطب قبل إنزاله إلى سفن النقل. ومن طريف ما يُذكر عن أساليب حركة الإبطاء المقصود أن ضابطًا نازيًّا عُهد إليه في إنشاء مطار في فرنسا في أرض ممهدة نوعًا، فاستخدم في هذا العمل عددًا كبيرًا من الفرنسيين، ولكن انقضت أربعة أشهر دون أن يتم إعداد هذا المطار، وعند البحث اتضح أن سبب ذلك هو أن العمال الفرنسيين كانوا يتظاهرون دائمًا بعدم فهم الأوامر والإرشادات والتعليمات الألمانية، فإذا طُلب إليهم مثلًا إقامة بناء في ناحية ما حفروا الأرض بدلًا من ذلك، وإذا طُلب إليهم العكس أقاموا عليها بناء أو شقوا بها ترعة أو حفروا فيها خندقًا وهكذا، حتى لم تعد الأرض بعد هذه الشهور الأربعة تصلح لإنشاء المطار على الإطلاق. وكان الفرنسيون يعمدون إلى المناقشة والجدل مع رؤساء العمل الألمان دائمًا عند إعطاء التعليمات الخاصة بأي عمل في المصنع أو في الحقل، فيتخذون من الجدل الطويل وسيلة لتضييع الوقت وتحقيق فكرة «حركة الإبطاء المتعمد»، ولم تفلح عقوبات الألمان الصارمة — ومنها الإعدام — في إخماد هذه المقاومة. |
|
بدأ التِّمثال التَّذكاري يتفكَّك بالفعل في وقتٍ مُبكِّر نسبيًّا؛ فتَكسَّرت الأصابع وتَقشَّر الطلاء بحلول عام ١٧٤٨. لكن في عام ١٧٩٣ أقنع مُحرِّر أعمال شكسبير، إدموند مالون، جيمس دافنبورت، كاهن ستراتفورد في هذا الوقت، بطلاء التِّمثال النصفي بالكلس بسبب الاعتقاد الخاطئ بأنَّ هذا الأسلوب الكلاسيكي المُتحفِّظ يُفترَض به أن يكون لونه الأصلي. ولِمَا تكبَّده مالون من عناء — الذي تعرَّضَت مجهوداته في تحرير أعمال شكسبير، التي أشاد بها كثيرٌ من مُعاصريه، لهجومٍ شديد أيضًا — حصل كمكافأةٍ له على أبياتٍ شِعرية ساخرة وُضِعَت في «سجل زائري ستراتفورد»:
أيُّها الغريب، الذي يرى هذا التمثال،
استحضِر لعنة الشاعر على مالون؛
الذي حماسُ تَدخُّلِه نَمَّ عن ذوقه البربري،
ولطَّخ تِمثاله التَّذكاري، تمامًا كما شوَّه مسرحياته!13 |
|
يستدعي ذلك في الذهن قول هيجل «ينبغي أن أتعرَّف على نفسي في الغريب.» لقد قدَّم هيجل تصوُّرًا للثقافة يُقرِّبها من مفهوم «البيت» — أي المكان «المُجرَّد»، حيث تأوي الرُّوح في نهاية المطاف — كمقابلٍ ﻟ «المنزل» أي المكان العياني الملموس الذي أدخُلُه متى شئتُ وأخرج منه، وأبنيه وأهدمه. وهو تصوُّرٌ غير بعيدٍ عن تصوُّر هيدجر للثقافة بوصفِها تَقصِّيًا تاريخيًّا للجوانب المُشتركة مع الآخرين، وغير بعيدٍ عما ذهب إليه هيدجر من أن فكرة الثقافة نفسها — الثقافة المُفرَدة الواعية بذاتها — تتطلَّب، من أجل تحقق هويتها، المُقارنة بالثقافات الأخرى. «أن يتعرَّف المرء على خاصَّتِه في المُغاير، أن يكون «في بيته» وهو في المُغاير — تلك هي الحركة الأساسية للرُّوح؛ الرُّوح التي يتألَّف وجودها من العودة إلى نفسها ممَّا هو آخر.» |
|
ولا يستطيع أحد أن يقلده أو أن يأتي بمثله، وهو من دلائل الإعجاز. ويتحدى القرآن البشر أن يأتوا بمثله، ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ، عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وقد جمع فحوى. فيه منافع الناس ومصالح البشر، وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ. وخرجت فيه كل الأمثلة، وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ. فالإعجاز هنا ليس بلاغيًّا فقط بل هو تحدٍّ فني وتشريعي وعلمي. |
|
«١٩ يوليو»، رسونا في خليج كاياو، الميناء البحري لمدينة ليما، عاصمة بيرو. مكثنا هنا ستة أسابيع، لكن بسبب الاضطراب العام الذي كانت تشهده البلاد لم أرَ إلا جزءًا صغيرًا منها. وخلال فترة زيارتنا بالكامل كان المناخ بعيدًا كل البعد عن كونه لطيفًا كما يوصف عمومًا. كانت ثمة غلالةٌ ثقيلة وكئيبة من السحب جاثمة باستمرار فوق اليابسة، لدرجة أنني خلال الستة عشر يومًا الأولى لم ألمح سلسلة الجبال الموجودة خلف ليما إلا مرةً واحدة. كان لهذه الجبال، التي تُرى على مراحل، الواحد فوق الآخر، عبر فتحات في السحب، مظهرٌ مهيب للغاية. وقد صار من الأقوال الدارجة أن المطر لا يسقط مطلقًا على الجزء الأدنى من بيرو، لكن لا يمكن اعتبار هذا الأمر صحيحًا؛ لأنه في كل يوم من زيارتنا كانت توجد شبورةٌ سميكة من الرذاذ المتطاير، كانت تكفي لجعل الشوارع موحلة والملابس رطبة، ويروق للناس أن يطلقوا على هذا الرذاذ اسم الندى البيروفي. إن عدم سقوط الكثير من المطر لهو أمرٌ مؤكد تمامًا؛ لأن المنازل مغطاة فقط بأسقفٍ مسطحة من الطين المقسى، وعلى ممر النقل على الشاطئ كانت حمولات السفن من القمح تكدَّس بعضها فوق بعض، وتترك على هذا الحال لأسابيع من دون غطاء. |
|
#### الثَّباتُ
ثباتًا فإِنَّ العارَ أصعب محملًا
من الذلِّ لا يُفْضِي بنا الذلُّ للعارِ
وإن تحسبوها خطةَ الطيش إِننا
ذوي العزمِ لا نُغْضِي لصولةِ جبَّارِ
فإِنْ رَوَّعُونا كي يقودوا أشِدَّةً
ثَبَتْنَا على الترويعِ نلهو بأخطارِ
فما زادنا الترويعُ إِلا حميَّةً
وهل حَسِبُوا أن يُطْفِئوا النارَ بالنارِ
سيهزمهم مِنَّا أبوةُ ماجِدٍ
وهمةُ خطَّارٍ وعزمةُ مِقْدَارِ
فيا قومِ لا حَقَّقْتُمُو قَوْلَ عازبٍ
عن الحقِ يستخبي الرياءَ بأعذارِ
أقيموا بنا نَهْجَ الطريق لغيرنا
فإنا بني الأوطانِ كالجارِ للجارِ |
|
فَنَظَرَتْ إِلَيَّ الْمَرْأَةُ عَابِسَةً مُتَجَهِّمَةً، سَاخِطَةً مُتَبَرِّمَةً، وَقَالَتْ لِي وَهِيَ تَحْرُقُ الْأُرَّمَ (تَحُكُّ أَنْيَابَهَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ)، وَتَتَلَوَّى مِنَ الْغَيْظِ وَتَتَأَلَّمُ: «أَيُّ سُخْفٍ وَحَمَاقَةٍ، وَتَمَادٍ فِي الصَّفَاقَةِ؟ حَسْبُكِ بُهْتَانًا، وَكَفَاكِ هَذَيَانًا. أَتَشْرَكِينَنِي فِي صُوَتِي وَهَيْئَتِي؟ وَتَنْتَحِلِينَ اسْمِي وَتُحَاكِينَ صُورَتِي؟ وَتَبْهَتِينَنِي فِي وَجْهِي، ثُمَّ تُشَكِّكِينَ زَوْجِي فِي أَمْرِي، عَامِدَةً إِلَى أَذِيَّتِي وَضُرِّي؟ أَتَزْعُمِينَ أَنَّكِ «عَجِيبَةُ» بِنْتُ الْمَلِكِ «نَادِرٍ»؟ فَمَنْ أَكُونُ أَنَا إِذَا صَحَّ وَهْمُكِ، وَصَدَقَ زَعْمُكِ؟ هَا أَنْتِ ذِي تَفْضَحِينَ نَفْسَكِ بِنَفْسِكِ؛ إِذْ تُتْبِعِينَ الْمَيْنَ (الْكَذِبَ) وَالْبُهْتَانَ، بِالْحَلِفِ وَمُحْرِجَاتِ الْأَيْمَانِ، شَأْنَ الْكَاذِبَاتِ، الْحَانِثَاتِ الْجَرِيئَاتِ، يُعَزِّزْنَ بِالْقَسَمِ أَكَاذِيبَهُنَّ، وَيَسْتَجْدِينَ الدُّمُوعَ مِنْ مَآقِيهِنَّ (أَعْيُنِهِنَّ). وَالدَّمْعُ سِلَاحٌ فَاتِكٌ قَهَّارٌ، طَالَمَا خَدَعَ الْأَبْرَارَ، وَغَرَّرَ بِالْأَطْهَارِ! لَوْ نَظَرْتِ فِي الْمِرْآةِ، وَرَأَيْتِ مَا أَرَاهُ؛ لَتَفَزَّعْتِ مِمَّا يَرْتَسِمُ عَلَى سَحْنَتِكِ مِنْ أَلْوَانِ الزُّورِ، وَفُنُونِ الشُّرُورِ، وَمَا يَعْلُوهَا مِنْ غَبَرَةٍ، تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (غُبَارٌ)! هَلُمِّي فَانْظُرِي، إِنْ كُنْتِ تَجْرُئِينَ؟» |
|
#### (٢-٣) العقل يخضع الطبيعة لخدمة المثل الأعلى
ولو كانت الحركة الحيوية مقتصرة على المصاقبة المتبادلة بين الحي والبيئة لكان التطور بطيئًا جدًّا قلما يختلف عن تطورات الجمادات كالتطورات الجيولوجية مثلًا، ولو كان التطور مقتصرًا على مجرد نتيجة التفاعل الطبيعي بين قوتي الحي والبيئة لقلَّ التنويع فيه، ولرسا الحي على حالة واحدة في بيئة واحدة دهورًا طوالًا، ولما نشأ من الحياة العالم العقلي، ومن العالم العقلي العالمان الاجتماعي والأدبي؛ لأنه إن كانت الحياة نتيجة تفاعل كيماوي أو شبه كيماوي بين عناصر المادة، فالعقل ليس كذلك؛ بل هو في دوره الأول نتيجة تفاعل بين عمليات الجهاز العصبي وقوى الطبيعة الخارجية من تخيل وذاكرة إلخ، وفي دوره الآخر نتيجة تفاعل القوى العقلية نفسها، من تجريد واستدلال واستنتاج إلخ، مستقلة عن المادة.
فلذلك منذ تم نشوء الحياة وتميزها عن الجماد صار في جوهر الحي نزعة إلى التغلب على الطبيعة والتحكم فيها؛ ليخضع قواها ويستخدمها لرغائبه. ففيما هو يصاقب البيئة الطبيعية لكي يستطيع أن يعيش فيها، كان يحاول أن يجعلها من نواحٍ أخرى مصاقبة له، وكان كلما ارتفع درجة في سُلَّم رقيه ازدادت وسائله لإخضاع الطبيعة له، وجعلها مصاقبة له. |
|
ثم إن قريشًا ضاقت ذرعًا بمحمد وأصحابه، فأخذت تؤذيه بالقول وتسلِّط عليه سفهاءها يغمزونه ببذيء القول ويسخرون منه، وهو صامد في دعوته مؤمن برسالته يستغفر لقبيلته، ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.» ثم إن قريشًا أخذت تقسو في مجابهتها للنبي وجماعته، فأخذوا يعذِّبون فقراء المسلمين ويضربون مستضعفيهم ويجيعونهم ويعطِّشونهم، وممن عذبوهم آل عمار بن ياسر هو وأبوه وأمه؛ فكانوا يُخرِجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء، فيمرُّ بهم الرسول فيقول: «صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة.»٤ وكان أبو جهل إذا سمع بإسلام رجل من ذوي الشرف أنَّبه وأهانه في المجالس العامة، أما الفقراء والمستضعفون فقد لقوا منه ومن أمثاله عناءً كبيرًا، ولكن المسلمين لم يكونوا يحفلون بهذا الأذى، بل ظلوا يتابعون القيام بصلواتهم علنًا في فِناء الكعبة كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (سورة العلق: ٦–١٩). فنحن نرى من هذه الآيات الكريمات عتابًا شديدًا وتهديدًا مقذعًا لمن يمنعون المسلمين من الصلاة في حِمى الله، واستهانة بمن يظنون أنفسهم قادرين على منع المسلمين من الوقوف بين يدي الله في بيت الله، ولو كانوا وجهاء أو أشرافًا أو أغنياء أو زعماء. |
|
#### (٢٨) الْمُكوس والضرائب
وكان في البِلادِ المِصرِيةِ وسواها مُكُوسٌ وضرائِبُ علَى كلِّ ما يُبَاعُ ويُشْتَرى — ممَّا دَقَّ أَو جَلَّ — حتى كَان الْمَكْسُ يُؤَدَّى عَلَى شُرْبِ ماءِ النِّيلِ، فضْلًا عمَّا سِواهُ. فمَحا هذا السُّلطانُ هذه البِدَعَ اللَّعِينَةَ كلَّها، وبَسَطَ الْعَدْل، وأَمَّنَ السُّبُلَ.
فَاطمَأَنَّ الناسُ — في بلادِه — وزاوَلُوا أَعمالَهم في سَوادِ اللَّيل، كما يُزاوِلونَها في ضَوءِ النَّهار، ولَمْ يسْتَشْعِرُوا لظلامِ اللَّيلِ هَيبةً تَثْنِيهِم عن ذلك، كما شاهدْنا أَحْوالَهم في «مِصرَ» و«الإسْكَنْدَريَّةِ». |